خطبة جمعة أثر الإعلام في بناء الأمة أو هدمها
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صلِّ وسلم عليه وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
يقول المولى سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) [المائدة: 67]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة، وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به، وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم قيام.
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ، فقال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».
أيها المسلمون: إن القصد من التبليغ هو حمل رسالة الإسلام ودعوة الناس إليه، وهذا أمرٌ بدأه رسولنا صلى الله عليه وسلم، ونقل رسولنا الواجب إلينا بأمره لنا بتبليغ ما جاء به من العلم وعدم كتمه، وقد يسّر الله لنا وسائل كثيرة لهذا التبليغ؛ وهي وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، والأصل فيها أن تُتخذ لعرض الإسلام عرضاً قوياً مؤثراً من شأنه أن يحرّك عقول الناس للإقبال على الإسلام ودراسته والتفكر فيه، وفي المقابل إذا استخدمت هذه الوسائل استخداماً غير ما يجب أن تكون عليه فإنها تهدم الأمة ولا تبنيها بأفكار الإسلام وقيمه.
وفي السابق عندما ظهر الوضّاعون الذين يضعون أحاديث مكذوبة وينسبونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف علماء الحديث لهم ونقوا الأحاديث إلى درجة أن منعوا إذاعتها إلا مع نقدها وتبيان أنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يتوهم أحد أنها حديث لرسولنا فيعمل على نقلها ونشرها.
أيها المسلمون: إن الواقع الحالي أن وسائل الإعلام أن لا تصب جهودها في عرض الإسلام عرضاً قوياً مؤثراً، بل الغالب الأعم هو عدم الاهتمام بالإسلام أصلاً والتركيز على أفكار تهدم الإسلام عند المسلمين، ولا تبنيه فيهم، فإذا أخذنا مثالاً واحداً من وسائل الإعلام وهي الصحف والمطبوعات نجد أنها مبنية على فكرة الديمقراطية والحريات التي وضعت وتمت المصادقة عليها وفق الدستور واتفاقية نيفاشا، مما يعني نشر كل الأفكار ولو كانت تناقض الإسلام نقداً بيّناً.
فمثلاً نجد في الصحف الترويج لفكرة الحريات وهي ضد فكرة العبودية لله سبحانه وتعالى، والترويج لفكرة الوطنية والهوية الوطنية والعمل لرفعة الوطن، والتي تناقض الهوية الإسلامية والعمل لرفعة راية الإسلام، والدعوة للدولة المدنية والتي تعني الدولة التي تفصل الدين عن الحياة، ويقابلها على النقيض الدولة الإسلامية التي أوجب الإسلام علينا إقامتها، أما في الجانب الاجتماعي فحدث ولا حرج، نشر الصور العارية حيث يؤتى بصور لنساء ما يسمى بالوسط الفني حيث أحدثت له صحف متخصصة، هذا غير الاهتمام بأخبار ذلك الوسط والترويج له، والإعلام بأخباره الساقطة غير المهمة أصلاً حتى يُشغل بها المسلمون وتشكل وفقها أذواقهم.
أيها المسلمون: في الأيام الماضية تم التداول حول قانون الصحافة والمطبوعات وقد تم شدّ وجذب حول القانون من أنه يقيّد الحريات الصحفية والعقوبات التي تفرض على المتجاوزين للقانون بأنها مبالغ فيها وأنها لا تتوافق مع التحول الديمقراطي ومع الدستور الانتقالي، وفي هذا نجد أن هناك ثلاثة أمور تخالف ما يجب أن يكون عليه الإعلام في الإسلام، الأول: أن المجلس الوطني ليس هو الجهة التي تملك التشريع، فهي تشرّع من دون الله برأي الأغلبية وتجعل البشر هم الحكم وليس رب العالمين سبحانه، وهو وحده من له الحكم، الثاني: ان المرجع الذي يُقاس به صحة القانون من عدمه، ليس الديمقراطية وليس الدستور الانتقالي؛ إنما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الأمر الثالث: ان النقاش انصب في العقوبات والرقابة وليس يتطرق النقاش لأصل القانون، هل هو إسلام أم كفر؟ بل ترك أمر الإسلام جانباً، ولم يتحدث أحد عن سياسة الإعلام في الصحف والمطبوعات سواءً أكانت تنشر الباطل وما يخدش الحياء أو ما يهدد كيان الأمة بل جعلوا كل ذلك من المسلّمات.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه الكرام النجباء وبعد،،،
أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن يكون إعلامنا من أجل القضية التي خلقنا الله من أجلها في الحياة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: 102]، ويجب علينا ان نزيل كل إعلام هدام، وان نحمي أنفسنا وأهلينا من وسائل الإعلام الهدّامة والدخيلة، والطريقة الشرعية لذلك هي الدولة الإسلامية التي تحمي الإسلام والمسلمين.
ونحن نجد الآن أن الكفار يرمون المسلمين من قوس واحدة، ينفقون الأموال الضخمة لحربهم وصدهم عن الإسلام، ووجدا أن الإعلام من أفضل الوسائل التي يحاربوننا بها حتى أن أحد كبار المسؤولين في السودان ذكر أن رؤساء تحرير بعض الصحف يأخذون رواتبهم من سفارات أجنبية. نعم هذا نشر في نفس هذه الوسائل الإعلامية ويكفي ان أمريكا لوحدها تنفق المليارات من الكونغرس مباشرة لقنوات إعلامية تعمل للهدم في العالم الإسلامي مثل قناة الحرة وراديو سوا وغيرهما.
وقد قال الكفار سابقاًً، سنغزوا العالم بالكرة والنساء، أي بإشغال شريحة واسعة بالتشجيع حتى يتم الإلهاء، ونحن نجد الآن أكثر الصحف مبيعاً هي الصحف الرياضية، أما النساء فهو نشر الإباحية والفاحشة كما يوجد في الصحف الاجتماعية وغيرها والتي لا تراعي حياءً.
أيها المسلمون: إن الأمانة في أعناقنا عظيمة، فهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع استنطق المسلمين عن الأمانة التي في عنقه فقال: »أيها الناس، إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟" قالوا: نشهد أنك قد بَلّغت وأدّيتَ ونصحت. فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ويَقلبها إليهم ويقول: "اللهم هل بَلَّغْتُ، اللهم هل بلغت». فهذا رسولنا عليه السلام شهدنا له بذلك، فهل أدينا نحن الذي علينا فنحن مسؤولون عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وعن أنفسنا فماذا سنقول عن أنفسنا؟