الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

خطبة جمعة الانفصال جريمة لا تغتفر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين فمحى آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة لنبتغي فضلاً من ربنا، ولنعلم عدد السنين والحساب وكل شيء فصله تفصيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم فصلّ عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً... أما بعد،

قال تعالى في سورة الأحزاب: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاًً مُبِينًا) (36)، في تفسير هذه الآية الكريمة يقول الامام ابن كثير رحمه الله:[فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك انه اذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأي ولا قول. كما قال تبارك وتعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وفي الحديث: «والذي نفسي بيده لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»، ولهذا شدّد في خلاف ذلك فقال: ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا)، كقوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)] انتهى كلام ابن كثير.

أيها المسلمون: إن من أعظم ما ابتلي به المسلمون المفاهيم الرأسمالية الديمقراطية، التي تفصل الدين عن الحياة، فلا تفرق بين الحق والباطل، ولا بين الخمر والعصير، ولا بين الزنا والزواج، فكلها عندهم سيان، وعلى الناس أن يختاروا ما يروق لهم، ولذلك فالكفار الرأسماليون يعملون على ضرب كل القيم، وجعل البشر يعيشون في انحطاط الكفر والعياذ بالله. أما نخن معشر المسلمين فقد فرقنا بين الحق والباطل، فآمنا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً إلى الناس كافة، وقد أمرنا الحق تبارك وتعالى أن نعرف الحق ونلتزم به، ونقف المواقف التي ترضي الإله سبحانه، وأمرنا كذلك أن نبتعد عن الباطل ونعمل على إزالته من الدنيا، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (33 التوبة)، لذلك كان لزاماً علينا أن نلتزم أوامر الله ونجتنب نواهيه، ونطيع الله سبحانه الطاعة الكاملة، ولا خيار لنا بين الفعل والترك، فما كان فرضاً وجب العمل به، وما كان حراماً وجب الترك، وبالتالي فإن دين الإسلام والرأسمالية الديمقراطية لا يلتقيان.

أيها المسلمون: لقد أكرمنا الله عز وجل بإنزال الكتاب الذي بيَّن كل شيء، قال تعالى في سورة النحل: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، فكان لزاماً علينا أن نعرف الحلال والحرام، ولزاماً علينا أن لا نتخير في الفعل على حسب الهوى، بل ننظر لحكم الله فيه هل هو فرض أم مندوب أم مباح أم مكروه أم حرام، وبناء على هذه النظرة نتخذ المواقف التي ترضي الله سبحانه وتعالى، فننعم برضوانه وجنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين.

أيها المسلمون: في هذه الأيام كثر الحديث عن انفصال جنوب السودان، وهو في الحقيقة فصل لجزء عزيز من جسم الأمة الإسلامية، وهذا الحديث عن فصل الجنوب تناولته وسائل الإعلام المختلفة، وأقيمت له الندوات في قاعة محمد عبد الحي بجامعة الخرطوم وغيرها، وتناولوها باعتبارها مسلّمة من المسلّمات، لأن الفصل والاعلان عنه متروك للساكنين في الجنوب وليس للأمة، وهو ما يسمى بحق تقرير المصير، وهو خيار الوحدة أو الانفصال عن بلاد المسلمين، وهو جعل السلطان لغير المسلمين، وقد طرح بعض الذين تداولوا في أفضلية الوحدة "مخرجنا في نظام سوداني يجمعنا كسودانيين ويحقق مصالحنا بعيداً عن الجهوية والحزبية الضيقة"، والبعض الآخر أخذ يعدد المضار التي قد تلحق الأمة جراء انفصال الجنوب، وأخذ يُعدّد محاسن الوحدة. إن الذي يهمنا في هذا الأمر، أمر فصل الجنوب عن جسم الأمة الإسلامية، هو أين هذا الفصل من طاعة الله عز وجل؟ أين هو من حرمة الخيار؟ لأن قوله تعالى: (وَمَا كَانَ) معناها الحظر والمنع، فتجيء بحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون كما في هذه الآية، كما ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه الجامع لأحكام القرآن.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه وبعد.

أيها المسلمون: في تقرير نقلته صحيفة الانتباهة على لسان أحد كتابها في العدد (1300) يقول التقرير: (تقول أمريكا في تقرير لها أن العالم بحلول العام 2050م سيعاني من أزمة غذاء طاحنة، وسيعتمد في غذائه على ثلاث مناطق: (وهي أمريكا الشمالية واستراليا والسودان) وهذا يبطل العجب من تكالب الكفار لتمزيق السودان، فأطماعهم الاستعمارية واضحة، ولن يكتفوا بفصل الجنوب حيث قال وزير الأمن الاسرائيلي في محاضرة له في إحدى الجامعات اليهودية: (إن دار فور يجب أن تتمتع بالانفصال كالجنوب). وبالتالي فإن الغرب الكافر يريد تمزيق السودان حتى تنشب الحروب التي تبيد أهل البلاد؛ مسلمهم وغير مسلمهم ليعيش الكفار المستعمرون على جماجمنا وجماجم ابناءنا، ومن تبقوا منا يتم ترويضهم التام بعد تطبيع العلاقات مع المستعمر ليكونوا هم السادة ونحن العبيد، الذين ارتضينا التبعية والسخرة لهم، خيّب الله فألهم ودمَّر الله عليهم.

أما بالنسبة لموضوع الفصل، فقد دلت الأدلة على حرمة التمزيق، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ)، وشق العصا يعني تمزيق الكيان إلى أكثر من مزقة، قال صلى الله عليه وسلم : (إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا)، قال الإمام النووي: (واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا). والاستعمار لم يكتف بإضعاف الأمة الإسلامية بتمزيقها إلى سبعة وخمسين مزقة بعد أن تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على دولة واحدة وإمام واحد، نعم لم يكتفوا بذلك، بل يريدون الإمعان في التمزيق والإضعاف حتى يتقووا بضعفنا ولله در القائل:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً       وإذا افترقن تكسرت آحادا

وقد قال صلى الله عليه وسلم : (...فَإنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَة).

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الفصل يتنافى مع الرسالة ومع واجبنا تجاه الأمم، فنحن مأمورون بحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد كما فعل رسولنا صلى الله عليه وسلم، وذلك بفتح البلدان وحكمها بما أنزل الله حتى يدخل الناس في الإسلام أفواجاً على أن لا يكرهوا في اعتناق العقيدة الإسلامية، وبالتالي إذا وضع المسلمون أيديهم على أرض فالأصل أن لا يفرّطوا فيها بل يعملوا على حكمها بالإسلام حتى لا يهلك أهلها بالكفر، ولننظر الآن عندما ذهب سلطان أبناء المسلمين عن الجنوب حيث انسحب الجيش، كم هُدِّمت من مساجد غير التي دنّست، كيف انعدم الأمن؟ كم اغتصب من النساء؟ كل ذلك لذهاب سلطان أبناء المسلمين، فكيف إذا كان السلطان بيد المسلمين والحكم بما أنزل الله؟ لتحقق مقصود الشارع بدخول الناس في نور الإسلام. ولذلك كان الخيار في الفصل من أكبر الجرائم التي لا يقول بها عاقل، والغريب أن الكفار المستعمرين (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) هم الذين أتوا بفكرة تقرير المصير، فالغريب أن رئيس أمريكا السادس عشر "أبراهام لنكون" عندما حاول أهل الجنوب في أمريكا الانفصال وفقاً للدستور الأمريكي قام بشن حرب عليهم قُتل من جرائها ستمائة ألف أمريكي، فاعتبره الأمريكيون هو المؤسس الفعلي لأمريكا ومن أعظم أبطالهم، فهذا السم الانفصال لم يرض الأمريكان بتجرعه ولكنهم يسقونه للمسلمين ولغيرهم لإضعافهم، فحق تقرير المصير ليس حقاً بل هو فكرة استعمارية.

أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن ننظر إلى كل الأمور بمنظار العقيدة لا بغيرها وأن نقف المواقف التي ترضي الله سبحانه وتعالى، ولله در خليفة المسلمين عبد الحميد الثاني عندما رفض ليهود إعطاءهم أرضاً في فلسطين، وقال إنها ليست ملك يميني، بل ملك أجدادي رووها بدمائهم الطاهرة وإن عمل المبضع (آلة تشريح) في بدني أهون عليَّ من أن أرى شبراً من أرض المسلمين يقتطع.

أما الحل أيها المسلمون: فليس بالدولة السودانية إنما بالدولة الإسلامية التي تحق الحق وتبطل الباطل وتلم شعث المسلمين ولا تجعل لطاعة الله خياراً.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع