- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
آثار سياسة ترامب الخارجية في الأيام الأولى لها
الخبر:
كتب الكثير عن المئة يوم الأولى لرئاسة ترامب، ولأسباب واضحة اختارت وسائل الإعلام التركيز على فشله، ولم يُذكر سوى القليل جدًا عن سياسته الخارجية، فالجانب الأكثر لتقييمهم هو كالمعتاد الجانب الاقتصادي.
التعليق:
يمكن القول بأن سياسة ترامب الخارجية هي أكثر عدوانية من سلفه، فبعد فترة قصيرة من استلامه السلطة، أذِن ترامب بالقيام بضربات جوية ضد الأسد، واستخدم لغة أشد عدوانية ضد كوريا الشمالية، ونشر مقاتلات النخبة الأمريكية في إستونيا وهو تحد واضح لروسيا.
هذه الإجراءات لا تتعارض مع وعود حملة ترامب فحسب، بل وتشير أيضًا إلى تحول في موقف إدارته في قضايا عدة، فعلى الجانب الروسي، واجه أمل ترامب لبناء شراكة تعاونية مع بوتين مقاومة شديدة في الدولة، فالتغطية الإعلامية المستمرة لعلاقة ترامب السرية مع روسيا، وانتقاد البنتاغون للوكالة الأمنية الوطنية، عطلت أية فرصة للتعاون بين ترامب وروسيا.
بدأ تنظيف وكالة الأمن القومي بـ(مايك فلين)، ثم تلاها الإطاحة بالأيديولوجي اليميني (بانون وجوركا)، وتعيين (مكفارلاند) بدل (فلين)، كل هذا يشير إلى تحكم الجيش الأمريكي الآن في وكالة الأمن الوطنية، وهي الهيئة الرئيسية لصناعة السياسة في البيت الأبيض (البنتاغون والأمن القومي). وقد أدى التأثير غير المسبوق للجيش على السياسة الخارجية الأمريكية إلى خفض تصريحات ترامب غير المتناسقة ضد الحلفاء والخصوم، وفي الآونة الأخيرة كانت تصريحات وزير الدفاع (ماتيس) تتناقض مع رئيسه، وطمأن كوريا الجنوبية بأن دفع مليار دولار مقابل نشر المنظومة الصاروخية (ثاد) لا حاجة لها.
كما أن تراجع ترامب عمّا يتعلق بالملف الصيني ينسجم مع ما تقدم، فقبل بضعة أشهر فقط، هدد ترامب بقلب سياسة 40 عامًا من العلاقات الأمريكية الصينية من خلال بناء جسور مع تايوان، وأثناء الحملة الانتخابية اتهم ترامب الصين بالتلاعب بالعملة الصينية والاستحواذ على الوظائف الأمريكية، ودعت إدارة ترامب (شي جين بينغ) لواشنطن، وطالبته بمزيد من التعاون لثني كوريا الشمالية عن امتلاك السلاح النووي ومشاكسة جيرانها، بيد أن مدى تعاون الصين مشكوك فيه لأن تراكم الأسلحة الأمريكية في منطقة آسيا والباسفيك يجعل بكين شديدة التوتر.
في بداية قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، توقع بعض المراقبين أن يتوصل ترامب إلى اتفاق مع روسيا، ويتبنّى موقفًا صارمًا تجاه الصين، لكن بعد مائة يوم من توليه منصبه، تخلى ترامب عن توطيد العلاقات مع روسيا، وحاول حشد الصين للقيام بدور نشط في ردع (بيونج يانج)، وإن لم تكن هناك حلقة مفقودة في القصة فإن هذا ليس مفاجئًا، وقد كان أوباما صاحب الحكاية الأصلي، والفرق الوحيد بينهما هو أن ترامب - أو قل الجيش - قد خَطا خطوة للأمام في نشر الترسانة العسكرية الاستراتيجية بالقرب من روسيا والصين بذريعة كوريا الشمالية.
انتكاسة ترامب لا تقتصر على فشله في مراجعة سياسة الدولة، فحتى دول الحلفاء مثل بريطانيا في يقظة وقحة في الوضع الراهن، وقد أثار ترامب الاتحاد الأوروبي ضد بريطانيا في عقد صفقات تجارية تفضيلية، وقد كان تقرير لجنة اللوردات الدولية حول اختيار العلاقات الدولية - والذي نشر هذا الأسبوع - يؤكد على "الطبيعة الزئبقية التي لا يمكن التنبؤ بها لصنع السياسة من قبل الرئيس ترامب" ويوصي بريطانيا بأن تنأى بنفسها عن أمريكا. في معرض حديثه عن التجارة، أشار ترامب أيضًا إلى أن أمريكا قد لا تنسحب من نافتا، وهذا الانعكاس الواضح قد يسترضي فيه المكسيك وكندا، ولكن من المؤكد سيثير غضب مؤيديه.
إن ترويض ترامب من قبل أقسام مختلفة من المؤسسات الحاكمة - الجيش الأمريكي، ووول ستريت، والفصائل الأخرى - يوضح تصميم أمريكا على الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية والسياسية في جميع أنحاء العالم. وقد استثمرت أمريكا الكثير في النظام الليبرالي ومؤسساتها الدولية لتبني النزعات الانعزالية، كما كان يحب أنصار ترامب. وهذا يعني أن أيام ترامب المتبقية في منصبه من المتوقع أن تشهد المزيد من التدخلات في شئون الآخرين الدولية والحروب الأجنبية، وفي صفقات تجارية غير عادلة لمصلحة أمريكا، وبالطبع المزيد من الانعكاسات السياسية.
إن طول عمر النظام الليبرالي الأمريكي قائم على إمكانية التنبؤ بالحرب والصفقات التجارية، وأعداء أمريكا وخصومها يعرفون ذلك جيدًا، ومع ذلك فإن عدم القدرة على التنبؤ بحقبة ترامب من المرجح أن يثير أزمة في الثقة في موقف أمريكا العالمي، وسيزيد من القلق بين حلفاء أمريكا ويدفعهم للبحث عن جهات أخرى للأمن والحماية، وبالفعل تفكر أوروبا حاليًا في تطوير رادع نووي خاص بها، واليابان وكوريا الجنوبية ليستا متخلفتين عن هذا الركب.
بالمثل، فإن الغموض المصاحب لقرارات ترامب سيشجع خصوم أمريكا على اختبار تصميمها في المناطق، حيث كانت خارج الحدود المعقولة (في سوريا، وكوريا الشمالية، وبحر الصين الجنوبي، والشرق الأوسط) وهي المسارح المحتملة لهذه المسابقات، وهذا يزيد من احتمالية نشوب نزاع كبير بين القوى العالمية، وهو نذير عصر جديد من التقلبات وعدم الاستقرار، ويعني اليقين بأن الصورة الاستراتيجية الحالية للموقف الدولي في حالة تغير ملحوظ.
لقد شهد الموقف الدولي تقلبات في زمن رسول الله r، وقبل إقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة كان رسول الله rعلى اطلاع على المواجهة بين بلاد فارس والروم؛ وكانت القوى العظمى في حالة حرب (الحرب البيزنطية - الساسانية من 602-628م)، وتزامنت هجرته rإلى المدينة في عام 622م مع حملة قتال بين الدولتين الكبيرتين. بالتالي، فإن الوضع الحالي يمثل فرصة مناسبة لأبناء الأمة، وخاصة القوات المسلحة، لاستلام السلطة وتسليمها لأصحاب مشروع الخلافة على منهاج النبوة، فهل يهتدي المخلصون منهم إلى هذا الحل؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي – باكستان