- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
أمريكا بوتقة أم صحن سَلَطة!
الخبر:
تفاعلات قضية خنق جورج فلويد. 2 حزيران 2020
التعليق:
لا نضيف جديداً حينما نقول إن أمريكا ومن خلفها الغرب العلماني الرأسمالي أخفقوا في علاج المشكلة العنصرية في مجتمعاتهم، بل كانت تلك المشكلة إفرازاً طبيعياً للنظام الرأسمالي وفلسفته وأفكاره الأساسية ونظرته للحياة. الجديد في هذا المشهد العنصري أن العالم أصبح يشاهد آثار الاضطهاد والخنق لحظة بلحظة على الهواء مباشرة.
في كتابه "من نحن؟" يعدد الكاتب الأمريكي الشهير صموئيل هنتنغتون أطروحات مناصري التعددية الثقافية ويمثل موقفهم قائلاً "تشبيه قدر الإذابة وحساء الطماطم لا يمثل أمريكا الحقيقية، فأمريكا موزاييك، سَلَطة، أو حتى سلطة قُلّبت مكوناتها ولم تُحرّك بقوة". وهذا هو الواقع فعلاً، وشواهده كثيرة.
البشرية تعيش بؤساً ولكنها تلتفت يمنة ويسرة فلا تجد مخرجاً، فلا يوجد نموذج عملي محترم لافت للنظر يقدم بديلاً وطريقة عيش تليق بالإنسان وتوفر له الحياة الكريمة. ولا يمكن أن يوجد هذا النموذج إلا عن طريق دولة الإسلام وحضارته. وهنا لمحة من أحد جوانب الحياة الإسلامية التي عاشها الناس قروناً طويلة في ظل الخلافة:
فقد ثبت في تاريخ المسلمين أن الفتوحات الإسلامية شملت بلاداً وشعوباً شتى، ففتح العراق وكان يسكنه خليط من النصارى والمزدكية والزرادشتية من العرب والفرس، وفتحت فارس وكان يسكنها العجم وقليل من اليهود والرومانيين، وكانت تدين بدين الفرس، وفتحت الشام وكانت إقليماً رومانياً يتثقف بثقافة الرومانيين ويتدين بالنصرانية ويسكنه السوريون والأرمن واليهود وبعض الرومان وبعض العرب، وفتحت مصر وكان يسكنها المصريون وبعض اليهود وبعض الرومان، وفتحت شمال أفريقيا وكان يسكنها البربر وكانت في يد الرومان، وفتحت السند وخوارزم وسمرقند والأندلس، وكانت هذه الأقطار المتعددة متباينة القوميات واللغة والدين والتقاليد والعادات والقوانين والثقافة، ولذلك كانت عملية صهرها ببعضها وتكوين أمة واحدة منها موحدة الدين واللغة والثقافة والقوانين أمراً عسيراً وعملاً شاقاً، يعتبر النجاح فيه شيئاً غير عادي، ولم يحصل لغير الإسلام، ولم يتحقق إلا للدولة الإسلامية. فإن هذه الشعوب جميعها بعد أن ظللتها الراية الإسلامية وحكمتها الدولة الإسلامية ودخلت في الإسلام صارت أمة واحدة هي الأمة الإسلامية، وذلك بتأثير حكمهم بالإسلام، وبتأثير اعتناقهم عقيدته، ولقد عمل على صهر هذه الشعوب أمور عدة، من ضمنها أحكام الإسلام التي تقضي بأن يُنظـر إلى المحكومين نظرة إنسانية لا نظرة عنصرية أو طائفية أو مذهبية، ولذلك تطبق الأحكام على الجميع بالسواء لا فرق بين المـسلم وغير المسلم، قال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. ويتساوى في الحكم والقضاء جميع الناس، فالحاكم حين يرعى شؤون الناس ويحكمهم، والقاضي حين يقضي بينهم لا ينظر لمن يحكمهم أو يقضي بينهم أية نظرة سوى النظرة إلى الإنسان ليرعى شؤونه ويفصل خصوماته. ويقضي نظام الحكم في الإسلام بالوحدة بين أجزاء الدولة، كما يقضي بضمان حاجات كل ولاية فيها بالإنفاق عليها من بيت مال الدولة، بغض النظر عما يجبى منها قل أو كثر، وَفّى بهذه الحاجات أم لم يف. كما يقضي بوحدة المالية بجبايتها لبيت المال من جميع الولايات، وبذلك تصبح جميع البلدان المفتوحة ولايات في دولة واحدة تجعلها في الحكم سائرة سيراً حتمياً في طريق الانصهار.
نعم، فقط بهكذا نظام يمكن إخراج الناس من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
والرسالة في مثل هكذا أحداث تكون للبشر عامة؛ أنّ الذي يصلح حياة البشر هو نظام من خالق الحياة والبشر. وللمسلمين خاصة إنكم بالخلافة على منهاج النبوة تقدمون البديل العملي لهذا النظام.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. أسامة الثويني – دائرة الإعلام/ الكويت