- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الخامسة والعشرون
وهناك الكثير من الأمثلة مع الأنبياء السابقين الذين قالوا: (وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، ولنصبرن على ما آذيتمونا، وعلى الله فليتوكل المتوكلون) إبراهيم/12.
فمنها ما يحصل مع النبي والرسول بمعجزة بتعطيل أسباب وتخلفها، ومنها ما يحصل بغير معجزة بل بالأسباب الطبيعية، فهذا إبراهيم عليه السلام كانت النار عليه برداً وسلاماً، وهذا موسى عليه السلام وعصاه التي تنقلب حية تسعى، وقد انفلق له البحر عن طريق يبسٍ لا يخاف أن يدركه فرعون وجنوده ولا يخشى، وهذا عيسى عليه السلام يرفعه الله سبحانه وتعالى إلى السماء، ويلقي شبهه على شخص آخر فيقتلونه ظناً منهم أنه عيسى عليه السلام، وهذا يونس عليه السلام ينجيه الله سبحانه من بطن الحوت، ثم يرسله سبحانه إلى أكثر من مئة ألف فآمنوا.
وفي قصة موسى عليه السلام بيان واضح لمضاء أمر الله تعالى، وأنه سبحانه إذا أراد أمراً هيّأ له أسبابه، فلم يقف الأمر عند تنجية موسى عليه السلام من القتل، بل حصل ما هو أبلغ من ذلك، إذ تربى في قصر فرعون، فقد ربط الله سبحانه على فؤاد أم موسى لتكون من المؤمنين الصابرين، وأوحى إليها سبحانه أن ترضعه ثم تلقيه في اليم، انظر إلى ربك سبحانه وتعالى وعظمة تدبيره وبالغ حكمته، يقول لأم موسى (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) ولم يقل لها خبئيه واحفظيه واحرصي عليه وأغلقي عليه الأبواب، بل ارميه في اليم، ثم يلتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، ثم يقتل منهم رجلاً، ثم يهرب منهم، ثم يعود إليهم رسولاً، فيدخل على فرعون يأمره وينهاه وهو مطمئن إلى رعاية الله له وحفظه إياه، ثم يقع التحدي، فانظر إلى من آمن به أولا، إنهم السحرة الذين استعان بهم فرعون وأتى بهم من كل حدب وصوب، فكان في ذلك أكبر العبر لمن يعتبر، بمضاء أمر الله سبحانه. وأن الله سبحانه بالغ أمره.
والأمر لا يتوقف على الأنبياء فحسب، بل يشمل المؤمنين، يقول الله سبحانه وتعالى: (إنا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)، ويقول سبحانه وتعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة).
وهذه مريم عليها السلام: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وهذا ذو القرنين يقول: (ما مكني فيه ربي خير).
وهذا صاحب موسى يقول له: (وما فعلته عن أمري).
وهذا مؤمن آل فرعون: (فوقاه الله سيئات ما مكروا).
وهذا أحد الرجلين يقول لصاحب الجنتين: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله).
وهذا أوسط أصحاب الجنة يقول لهم: (ألم أقل لولا تسبحون).
وهؤلاء أصحاب الكهف دخلوا الكهف (فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، فضربنا...).
ولو اتسع معنا المجال لضربنا أمثلة من الصحابة عليهم رضوان الله، وأمثلة من حملة الدعوة في هذا الزمان، لعل الله يهيئ لنا مكاناً آخر نبسط منه الأمر.
فالمؤمن من يوقن أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون والإنسان والحياة، وأنه قدرها كما يريد، وأن الأسباب بيد الله وحده، وما عليه إلا أن يمتثل أوامر الله سبحانه ويجتنب نواهيه، فتنفعل له الأسباب، ويحقق في هذه الدنيا ما لا يحققه غيره، وذلك لأن الله سبحانه مع المؤمنين، وهو سبحانه مع الصابرين، وهو سبحانه مع المتقين.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن