الثلاثاء، 24 محرّم 1446هـ| 2024/07/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح159) مدة ولاية الوالي - إعفاؤه وعزله, وتحري أعماله من قبل الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح159)  مدة ولاية الوالي - إعفاؤه وعزله, وتحري أعماله من قبل الخليفة

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالخَمْسِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"مُدَّةُ وِلَايَةِ الوَالِي - إِعفَاؤُهُ وَعَزْلُهُ, وَتَحَرِّي أَعْمَالِهِ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 57- يَنبَغِي أَنْ لَا تَطُولَ مُدَّةُ وِلَايَةِ الشَّخْصِ الوَاحِدِ عَلَى الوِلَايَةِ, بَلْ يُعفَى مِنْ وِلَايَتِهِ عَلَيهَا كُلَّمَا رُئِيَ لَهُ تَرَكُّزٌ فِي البَلَدِ، أَوِ افتَتَنَ النَّاسُ بِهِ.

 

المادة 58- لا يُنْقَلُ الوَالِي مِنْ وِلَايَةٍ إِلَى وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ تَولِيَتَهُ مُحَدَّدَةُ الـمَكَانِ، وَلَكِنْ يُعْفَى وَيُوَلَّى ثَانِيَةً.

 

المادة 59- يُعْزَلُ الوَالِي إِذَا رَأَى الخَلِيفَةُ عَزْلَهُ، أَوْ إِذَا أَظْهَرَ مَجْلِسُ الأُمَّةِ عَدَمَ الرِّضَا مِنهُ، أَوْ إِذَا أَظْهَرَ مَجْلِسُ وِلَايَتِهِ السُّخْطَ مِنهُ. وَعَزْلُهُ إِنَّمَا يَجرِي مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ.

 

المادة 60- عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَتَحَرَّى أَعْمَالَ الوُلَاةِ، وَأَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الـمُرَاقَبَةِ لَهُمْ، وَأَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَنُوبُ عَنهُ لِلكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِـهِمْ، وَالتَّفتِيشِ عَلَيهِمْ, وَأَنْ يَجْمَعَهُمْ أَوْ قِسْمًا مِنهُمْ بَينَ الحِينِ وَالآخَرِ، وَأَنْ يُصغِيَ إِلَى شَكَاوَى الرَّعِيَّةِ مِنهُمْ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَذه هي الـمَوَادُّ السَّابِعَةُ وَالخَمْسُونَ, وَالثَّامِنَةُ وَالخَمْسُونَ, والتَّاسِعَةُ وَالخَمْسُونَ, وَالسِّتُّونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولًا: المادة السابعة والخمسون: دَلِيلُهَا أَنَّ الرَّسُولَ r كَانَ يُوَلِّي الوَالِيَ مُدَّةً ثُمَّ يَعزِلُهُ، وَقَلَّ أَنْ بَقِيَ وَالٍ عَلَى وِلَايَتِهِ طَوَالَ عَهْدِ الرَّسُولِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبدِ البَرِّ فِي الاستِيعَابِ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ r استَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيَّ عَلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَيهَا حَيَاةَ رَسُولِ اللهِ r وَخِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَسَنَتَينِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ عَزَلَهُ عُمَرُ، فَإِنَّهُ مِنَ الوِلَايَاتِ النَّادِرَةِ، وَإِنَّمَا الغَالِبُ طَوَالَ عَهْدِ الرَّسُولِ r أَنَّهُ r كَانَ لَا يُطِيلُ وِلَايَتَهُمْ. مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوَالِي لَا يُوَلَّى وِلَايَةً دَائِمِيَّةً، بَلْ يُوَلَّى مُدَّةً ثُمَّ يُعْزَلْ. غَيرَ أَنَّ كَونَ مُدَّةِ وِلَايَتِهِ مُحَدَّدَةً بِمُدَّةٍ تَطُولُ أَوْ تَقْصُرُ لَـمْ يَثْبُتْ شَيءٌ يَدُلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الرَّسُولِ r ، وَكُلُّ مَا فِي الأَمْرِ أَنَّ غَالِبَ تَقلِيدِ الرَّسُولِ r لِلوُلَاةِ كَانَ بِأَنْ لَا يَبقَي وَالِيًا عَلَى بَلَدٍ طَـَوالَ مُدَّةِ عَهْدِهِ، بَلْ إِنَّهُ r كَانَ يُوَلِّي الوُلَاةَ ثُمَّ يَعزِلُهُمْ. وَإِنْ كَانَ يَجُـوزُ أَنْ تَطُـولَ مُدَّةُ الوَالِي كَمَا فِي وِلَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ، وَلَكِنَّهُ ظَـهَـرَ مِنْ طُـولِ مُدَّةِ وِلَايَـِة مُعَـاوِيَـةَ عَلَى الشَّامِ أَيَّـامَ عُمَرَ وَأَيَّامَ عُثمَانَ، أَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَيهِ مَا تَرَتَّبَ مِنْ فِتنَةٍ هَزَّتْ كَيَانَ الـمُسلِمِينَ، فَفُهِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ طُولَ وِلَايَةِ الوَالِي فِي الوِلَايَةِ يَنتُجُ عَنهُ ضَرَرٌ عَلَى الـمُسلِمِينَ وَعَلَى الدَّولَةِ، وَمِنْ هُنَا جَـاءَ القَولُ بِعَدَمِ تَطْـوِيلِ مُـدَّةِ وِلَايَـِة الوَالِي وَوُضِعَتْ هَذِهِ الـمَادَّةُ.

 

ثانيًا: المادة الثامنة والخمسون: دَلِيلُهَا عَمَلُ الرَّسُولِ r فَإِنَّهُ كَانَ يَعزِلُ الوُلَاةَ، وَلَـمْ يُرْوَ عَنهُ أَنَّهُ نَقَلَ وَالِيًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. وَأَيضًا فَإِنَّ الوِلَايَةَ عَقْدٌ مِنَ العُقُودِ تَتِمُّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ، وَفِي عَقْدِ الوِلَايَةِ عَلَى الإِقلِيمِ أَوِ البَلَدِ يُحَدَّدُ الـمَكَانُ الَّذِي يَحكُمُ فِيهِ الوَالِي، وَتَظَلُّ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الحُكْمِ فِيهِ مَا لَـمْ يَعزِلْهُ الخَلِيفَةُ، فَإِذَا لَـمْ يَعْزِلْهُ عَنهُ ظَلَّ وَالِيًا عَلَيهِ، فَإِذَا نُقِلَ إِلَى غَيرِهِ نَقْلًا لَـمْ يُعزَلْ عَنْ مَكَانِهِ الأَوَّلِ بِهَذَا النَّقْلِ، وَلَـمْ يُوَلَّ عَلَى الـمَكَانِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيهِ؛ لِأَنَّ فَصْلَهُ عَنِ الـمَكَانِ الأَوَّلِ يَحتَاجُ إِلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ بِالعَزْلِ عَنِ الوِلَايَةِ عَنهُ، وَتَولِيَتُهُ لِلمَكَانِ الَّذِي نُقِلَ إِلَيهِ يَحتَاجُ إِلَى عَقْدِ تَولِيَةٍ جَدِيدٍ خَاصٍّ بِذَلِكَ الـمَكَانَ، وَمِنْ هُنَا أُخِذَ أَنَّ الوَالِي لَا يُنقَلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ نَقْلًا، وَإِنَّمَا يَحتَاجُ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ، فَيُعزَلُ عَنِ الـمَكَانِ الأَوَّلِ، وَيُوَلَّى وِلَايَةً جَدِيدَةً لِلمَكَانِ الجَدِيدِ.

 

ثالثًا: المادة التاسعة والخمسون: دَلِيلُهَا عَمَلُ الرَّسُولِ r فَقَدْ وَلَّى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى اليَمَنِ وَعَزَلَهُ عَنهَا مِنْ غَيرِ سَبَبٍ، وَعَزَلَ العَلَاءَ بْنَ الحَضْرَمِيَّ عَامِلَهُ عَلَى البَحرَينِ؛ لِأَنَّ وَفْدَ عَبدِ قَيسٍ شَكَاهُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَعْزِلُ الوُلَاةَ بِسَبَبٍ وَغَيرِ سَبَبٍ. فَعَزَلَ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفيَانَ, وَلَـمْ يُعْلِنْ سَبَبًا, وَعَزَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ شَكَوْا مِنهَ وَقَالَ: إِنِّي لَـمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ, وَلَا عَنْ خِيَانَةٍ. مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَعْزِلَ الوَالِي مَتَى يَشَاءُ، وَعَلَيهِ أَنْ يَعزِلَهُ إِذَا شَكَا مِنهُ مَجلِسُ الوِلَايَةِ الـمُمَثِّلُ لِأَهْلِ وِلَايَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَكَا مِنهُ مَجلِسُ الأُمَّةِ (الشُّورَى وَالـمُحَاسَبَةِ) الَّذِي يُمَثِّلُ جَمِيعَ الوِلَايَاتِ.

 

رابعًا: المادة الستون:ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ r  كَمَا كَانَ يَختَبِرُ الوُلَاةَ حِينَ يُوَلِّيهِمْ كَمَا فَعَلَ مَعَ مُعَاذٍ وَمَعَ أَبِي مُوسَى، وَيُبَيِّنُ لَـهُمْ كَيفَ يَسِيرُونَ كَمَا فَعَلَ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الـمَشهُورِ عِندَ أَهْلِ العِلْمِ كَمَا قَالَ ابنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ، وَقَـالَ الحَـافِـُظ فِي الإِصَـابَـِة:"... وَاسـتَعْمَلَ النَّبِيُّ r  عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ عَلَى نَجْـرَانَ. وَرَوَى عَنهُ كِتَابًا كَتَبَهُ لَهُ فِي الفَـَرائِـضِ وَالدِّيَـاتِ وَغَيرِ ذَلِكَ". (أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابنُ حِبَّانَ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيرُ وَاحِدٍ). كَمَا كَانَ r يُنَبِّهُهُمْ إِلَى بَعـضِ الأُمُـورِ الـمُهِـمَّـةِ كَمَا فَعَلَ مَعَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدٍ حِينَ وَلَّاهُ البَحْرَينِ كَمَا جَاءَ فِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ عَنِ الوَاقِدِيِّ إِذْ قَالَ لَهُ: «اسْـتَـوْصِ بَعَـبْـدِ قَـيْسٍ خَيْراً، وَأَكْرِمْ سَرَاتَهِمْ (أَيْ سَادَتَهُمْ). فَإِنَّهُ كَذَلِكَ ثَبَتَ عَنهُ عَلَيهِ الصَّـلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يُحَاسِبُ الوُلَاةَ, وَيَكْشِفُ عَنْ حَالِـهِمْ, وَيَسْمَعُ مَا يُنـقَـلُ إِلَيهِ مِنْ أَخبَارِهِمْ. وَكَانَ يُحَاسِبُ الوُلَاةَ عَلَى الـمُستَخْرَجِ وَالـمَصْرَفِ، عَـْن أَبِي حَمِـيـدٍ السَّاعِـدِيِّ قَـالَ: «اسْـتَعْمَلَ النَّبِيُّ r رَجُلاً مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتَبِيَّةِ عَلَى صَـدَقَـةٍ فَلَمَّا قَـدِمَ قَـالَ هَـذَا لَكُمْ وَهَـذَا أُهْدِيَ لِي فَقَامَ النَّبِيُّ r عَلَى الْمِنْـبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْـبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ الْعَامِلِ نَـبْـعَـثُـهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَـنْـظُـرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَـبَـتِـهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاَثاً». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) وَكَانَ عُمَرُ شَدِيدَ الـمُرَاقَبَةِ لِلوُلَاةِ, وَقَدْ عَيَّنَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لِلكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِـهِمْ, وَالتَّفتِيشِ عَلَيهِمْ، وَكَانَ يَجْمَعُ الوُلَاةَ فِي مَوسِمِ الحَجِّ لِيَنظُرَ فِيمَا عَمِلُوهُ، وَلِيُصْغِيَ إِلَى شَكَاوَى الرَّعِيَّةِ مِنهُمْ, وَلِيَتَذَاكَرَ مَعَهْمْ فِي شُؤُونِ الوِلَايَةِ, وَلِيَعْرِفَ أَحْوَالَـهُمْ.

 

وَيُروَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَومًا لِـمَنْ حَولَهُ: "أَرَأَيتُمْ إِذَا استَعْمَلْتُ عَلَيكُمْ خَيرَ مَنْ أَعْلَمُ, ثُمَّ أَمَرْتُهُ بِالعَدْلِ، أَكُنتُ قَضَيْتُ الَّذِي عَلَيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا، حَتَّى أَنْظُرَ فِي عَمَلِهِ، أَعَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ أَمْ لَا". (أَخْرَجَهُ البَيهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَالشُّعَبِ عَنْ طَاوُوس). وَكَانَ شَدِيدَ الحِسَابِ لِوُلَاتِهِ وَعُمَّالِهِ، وَبَلَغَمِنْ شِدَّتِهِ فِي مُحَاسَبَتِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَعزِلُ أَحَدَهُمْ أَحْيَانًا لِشُبْهَةٍ لَا يَقْطَعُ بِهَا دَلِيلٌ، وَقَدْ يَعزِلُ لِرِيبَةٍ لَا تَبلُغَ حَدَّ الشُّبْهَةِ. وَلَقَدْ سُئِلَ فِي ذَلِكَ يَومًا فَقَالَ: "هَانَ شَيءٌ أُصلِحُ بِهِ قَومًا أَنْ أُبَدِّلَـهُمْ أَمِيرًا مَكَانَ أَمِيرٍ" (أَخرَجَهُ ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ الحَسَنِ). غَيرَ أَنَّهُ مَعَ شِدَّتِهِ عَلَيهِمْ كَانَ يُطْلِقُ أَيدِيَهُمْ، وَيُحَافِظُ عَلَى هَيبَتِهِمْ فِي الحُكْمِ، وَكَانَ يَسْمَعُ مِنهُمْ، وَيُصغِي إِلَى حُجَجهِمْ، فَإِذَا أَقنَعَتْهُ الحُجَّةُ لَـمْ يُخْفِ اقتِنَاعَهُ بِهَا, وَثَنَاءَهُ عَلَى عَامِلِهِ بَعْدَهَا. وَقَدْ بَلَغَهُ يَومًا أَنَّ عَامِلَهُ عَلَى حِمْصَ عُمَيرَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ وَهُوَ عَلَى مِنبَرِ حِمْصَ: "لَا يَزَالُ الإِسلَامُ مَنِيعًا مَا اشـتَـدَّ السُّلطَانُ, وَليسَـتْ شِـدَّةُ السُّلطَانِ قَتْلًا بِالسَّـيـفِ أَوْ ضَرْبًا بِالسَّوطِ، وَلَكِنْ قَضَاءً بِالحَقِّ وَأَخْذًا بِالعَدْلِ" ذَكَرَهُ ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُـوَيـدٍ، فَقَالَ عُـمَـرُ فِيهِ: "وَدِدْتُ لَو أَنَّ لِي رَجُلًا مِثلُ عُمَيرِ بْنِ سَعْدٍ أَستَعِينُ بِهِ عَلَى أَعْمَالِ الـمُسلِمِينَ".

 

maram159

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأحد, 06 تشرين الثاني/نوفمبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع