الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول  (ح 17)  الصفات التي يكتسبها المسلم نتيجة حتمية  لتسييره أعماله بناء على إدراكه لصلته بالله

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 17)

الصفات التي يكتسبها المسلم نتيجة حتمية

لتسييره أعماله بناء على إدراكه لصلته بالله

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةَ عشرة، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الصفات التي يكتسبها المسلم نتيجة حتمية لتسييره أعماله بناء على إدراكه لصلته بالله".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "ومن هنا كانت للشخصية الإسلامية صفات خاصة يتَّسم بها المسلم ويعرف بسيماه بين الناس، ويظهر فيهم كأنه شامة. وهذه الصفات التي يتصف بها نتيجة حتمية لتقيده بأوامر الله ونواهيه، ولتسييره أعماله بهذه الأوامر والنواهي، بناء على إدراك صلته بالله، ولذلك لا يبتغي من تقيده بالشرع إلا رضوان الله تعالى. والمسلم حين تتكوّن لديه العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية يصبح مؤهلاً للجندية والقيادة في آنٍ واحد، جامعًا بين الرحمة والشدة، والزهد والنعيم، يفهم الحياة فهمًا صحيحًا، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها وينال الآخرة بالسعي لها. ولذا لا تغلب عليه صفة من صفات عُبّاد الدنيا، ولا يأخذه الهوس الديني ولا التقشف الهندي".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: للشخصية الإسلامية صفات خاصة يتَّسم بها المسلم، ويعرف بسيماه بين الناس، ويظهر فيهم كأنه شامة. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى أن يكونوا كالشامة في الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: «أَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالشَّامَةِ فِي النَّاسِ». (رواه أحمد وأبو داود) كما ذكر الله تعالى صفات النبي صلى الله عليه وسلم وصحابتة الكرام فقال جل من قائل: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). ‎(الفتح ٢٩) فذكر الله جل جلاله خمسًا من صفاتهم في التوراة، وكرر ذكرها لنا في القرآن الكريم، كي نلتزم بها، وهذه الصفات هي أنهم:

1. أشداء على الكفار.
2. رحماء بينهم.
3. يكثرون من الركوع والسجود لله تعالى.
4. يبتغون فضل الله، ويسعون لمرضاته سبحانه.
5. تظهر علامات السجود في وجوههم.

 

عن الضحاك في قوله تعالى: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ، قال: "يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يكونون قليلًا، ثم يزدادون، ويكثرون، ويستغلظون". وقوله عز وجل: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) شطأه: أي ورقه. وقوله تعالى: (فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ) أي: فقوَّى الزرعَ ورقُه الذي نبت حول أصله، فغلظ الزرعُ، وتناهى طوله، وبلغ غايةَ قوَّتِهِ، وقام على أصوله. وقوله: (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) أي: يعجبُ الزرعُ الذي استغلظ فاستوى على سوقه في حسن نباته الذينَ زرعُوه. وقوله: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أي: إنما كثَّر الله أصحاب نبيِّه، وقوَّاهم؛ ليغيظ بهم الكفَّار حين يرون كثرتهم وقوتهم.

 

وهذه الصفات التي يتصف بها المسلم تأتي نتيجة حتمية لتقيده بأوامر الله ونواهيه، ولتسييره أعماله بهذه الأوامر والنواهي، بناء على إدراك صلته بالله، ولذلك لا يبتغي المسلم من تقيده بالشرع إلا نيل رضوان الله تعالى.

 

والمسلم حين تتكوّن لديه العقلية الإسلامية، والنفسية الإسلامية يصبح مؤهلاً للجندية والقيادة في آنٍ واحدٍ، جامعًا بين الرحمة والشدة، والزهد والنعيم، يفهم الحياة فهمًا صحيحًا، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها، وينال الآخرة بالسعي لها. كما قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ). ‎(القصص ٧٧) وكما قال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا). ‎(الإسراء ١٩)

 

ولذلك لا تغلب على المسلم صفة من صفات عُبّاد الدنيا، الذين ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عَبْدُ الدينار، تَعِسَ عَبْدُ الدرهم، تَعِسَ عَبْدُ الخَمِيصَة، تعس عَبْدُ الخَمِيلَة، إن أُعْطِيَ رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتَقَشَ، طُوبَى لعبد آخذ بعِنَانِ فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مُغْبَرَّةً قدماه، إن كان في الحِرَاسَةِ كان في الحِرَاسَةِ، وإن كان في السَّاقَةِ كان في السَّاقَةِ، إن استأذن لم يُؤْذَنْ له، وإن شَفَعَ لم يُشَفَّعْ». (رواه البخاري)

 

في هذا الحديث بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الناس من تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، وهدفه الأول والأخير، وأن من كانت هذه حالته سيكون مصيره الهلاك والخسران، وعلامة هذا الصنف من الناس حرصه الشديد على الدنيا، فإن أُعْطِيَ منها رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ منها سَخِطَ. ومنهم من هدفه رضا الله والدار الآخرة، فلا يتطلع إلى جاه ولا يطلب شهرة، إنما يقصد بعمله طاعة الله ورسوله، وعلامة هذا الصنف من الناس عدم الاهتمام بمظهره، ورضاه بالمكان الذي يوضع فيه، وهوانه على الناس، وابتعاده عن ذوي المناصب والهيئات، فإن استأذن عليهم لم يُؤْذَنْ له، وإن شفع عندهم لم يُشَفِّعُوه، لكن مصيره الجنة، ونَعِمَ الثواب. ويذكر الشيخ تقي الدين النبهاني مزيدًا من الصفات التي استنبطها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتميز بها المؤمن ذو الشخصية الإسلامية بمكونيها: العقلية الإسلامية، والنفسية الإسلامية وهذه الصفات هي أن المسلم:

 

1. لا يأخذه الهوس الديني، ولا التقشف الهندي.
2. وهو حين يكون بطل جهاد، يكون حليف محراب.
3. وفي الوقت الذي يكون فيه سريًا أي سيدًا يكون متواضعًا.
4. يجمع بين الإمارة والفقه، وبين التجارة والسياسة.
5. أسمى صفة من صفاته أنه عبد لله تعالى، خالِقه وبارئِه.
6. تجده خاشعًا في صلاته.
7. معرضًا عن لغو القول.
8. مؤديًا لزكاته.
9. غاضَّا لبصره.
10. حافظًا لأماناته.
11. وفيًا بعهده.
12. منجزًا وعده.
13. مجاهدًا في سبيل الله.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالسبت, 08 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع