الثلاثاء، 24 محرّم 1446هـ| 2024/07/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 23) العقيدة العقلية هي القاعدة الفكرية التي يُبنى عليها كل فكر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 23)

العقيدة العقلية هي القاعدة الفكرية التي يُبنى عليها كل فكر

 

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثالثةِ والعِشْرينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "العقيدة العقلية هي القاعدة الفكرية التي يُبنى عليها كل فكر".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وإنه وإن كانت كل فكرة عامة يمكن أن تكون أساسًا للتفكير والميول، ولكنها إنما تكون أساسًا لعدة أشياء لا لجميع الأشياء. ولا يصلح أن يكون أساسًا شاملًا لجميع الأشياء إلا الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة. لأنها هي القاعدة الفكرية التي يُبنى عليها كل فكر، والتي تُعيِّن كل وجهة نظر، ولأنها هي العقيدة العقلية التي هي وحدها الصالحة لأن تربط بها الأفكار عن تنظيم شؤون الحياة، والتي تؤثر في سلوك الإنسان في الحياة.

 

إلا أنه ليس معنى كون الفكرة الكلية أي العقيدة العقلية هي وحدها الصالحة لأن تكون أساساً عامًا شاملًا للتفكير والميول هو أنها هي الأساس الصحيح، بل معناها أنها تصلح لأن تكون أساسًا فقط بغض النظر عن كونه صحيحاً أو غير صحيح. أما الذي يدل على كون هذا الأساس صحيحًا أو غير صحيح فهو موافقته لفطرة الإنسان. فإذا اتفقت العقيدة العقلية مع فطرة الإنسان فهي عقيدة صحيحة وبالتالي هي أساس صحيح للتفكير والميول أي لتكوين الشخصية، وإذا خالفت فطرة الإنسان فهي عقيدة باطلة وبالتالي هي أساس باطل. ومعنى اتفاق العقيدة مع فطرة الإنسان كونها تقرر ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر. وبعبارة أخرى كونها توافق غريزة التديّن". 

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: لدينا في هذه الحلقة عدة أسئلة:

 

السؤال الأول: ما أساس التفكير والميول؟ وجوابه: أساس التفكير والميول ينبغي أن يكون فكرة عامة، وإنه وإن كانت كل فكرة عامة يمكن أن تكون أساسًا للتفكير والميول، ولكنها إنما تكون أساسًا لعدة أشياء لا لجميع الأشياء.

 

السؤال الثاني: ما الذي يصلح أن يكون أساسًا شاملًا لجميع الأشياء؟ وجوابه: لا يصلح أن يكون أساسًا شاملًا لجميع الأشياء إلا الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة؛ لأنها هي القاعدة الفكرية التي يُبنى عليها كل فكر، والتي تُعيِّن كل وجهة نظر، ولأنها هي العقيدة العقلية التي هي وحدها الصالحة لأن تربط بها الأفكار عن تنظيم شؤون الحياة، والتي تؤثر في سلوك الإنسان في الحياة.

 

السؤال الثالث: هل يعني كون الفكرة الكلية صالحة لأن تكون أساسًا عامًا شاملا للتفكير والميول أنها هي الأساس الصحيح؟ وجوابه: لا، ليس معنى كون الفكرة الكلية أي العقيدة العقلية هي وحدها الصالحة لأن تكون أساسًا عامًا شاملًا للتفكير والميول هو أنها هي الأساس الصحيح، بل معناها أنها تصلح لأن تكون أساسًا فقط بغض النظر عن كونه صحيحًا أو غير صحيح.

 

السؤل الرابع: ما الذي يدل على كون  الأساس صحيحًا؟ وجوابه: إن الذي يدل على كون هذا الأساس صحيحًا أو غير صحيح هو موافقته لفطرة الإنسان. فإذا اتفقت العقيدة العقلية مع فطرة الإنسان فهي عقيدة صحيحة، وبالتالي هي أساس صحيح للتفكير والميول أي لتكوين الشخصية، وإذا خالفت فطرة الإنسان فهي عقيدة باطلة، وبالتالي هي أساس باطل. ومعنى اتفاق العقيدة مع فطرة الإنسان كونها تقرر ما في فطرة الإنسان من عجز، واحتياج، إلى الخالق المدبر. وبعبارة أخرى كونها توافق غريزة التديّن.

 

"العقيدة مأخوذة من العقد، (والكلام مقتبس - بتصرف - من تسجيل نادر لفضيلة الشيخ الشعراوي - رحمه الله -). والعقد رباط لا يسهل حله، وموضوعه لا بد أن يكون أمرًا غيبيًا لا يتصل بالمحسَّات أبدًا. فالعقيدة لا تتصل بالمحسَّات، فلا يقال مثلًا: إنني أعتقد أن المصباح مضيء؛ لأن ذلك أمر حسِّي لا دخل للعقيدة فيه، وإنما تكون العقيدة في أمر غيبي حجته من الآثار الدالة عليه، لذلك سميت عقيدة، فالإنسان، أي إنسان مهما كان جنسه، أو لونه، أو لغته، أو مكان سكناه، حين يبلغ سن الرشد تنشأ عنده أسئلة ثلاث: من أين أتيت؟ لماذا أتيت؟ إلى أين المصير؟ هذه الأسئلة الثلاث تشكل العقدة الكبرى عند الإنسان، فيبدأ هذا الإنسان بالبحث عن إجابات مقنعة لها؛ لكي يحل هذه العقدة؛ فإن وجد الإجابة الصحيحة والشافية والكافية والوافية التي تقنع عقله، وتوافق فطرته، وتملأ قلبه بالطمأنينة، فتكون العقدة الكبرى قد حلت عنده وتشكلت عنده العقيدة من مجموع الإجابات التي توصل إليها بالأدلة العقلية المدعمة بالأدلة النقلية.

 

فالعقيدة إذن هي اليقين بقضية من القضايا بحيث لا تطفو إلى الذهن لتناقش من جديد؛ فإن طفت مرة أخرى لتناقش، فلا تسمى عقيدة، إنما تسمى فكرة لا تزال محل الدرس، فإذا انتُهِيَ من درسها فكريًا، واقتنع بها الإنسان، واختمرت في قلبه سميت عقيدة أي عقدة لا يسهل حلها.

 

وقد عرفها الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله تعالى - تعريفًا جامعًا مانعًا فقال: العقيدة هي: "التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل". والعقيدة بوجود إله واحد نبحثها على لونين اثنين:

 

اللون الأول: نبحثها لنؤصلها في مؤمنين بها أولا، وطرأت عليهم شبهات يمكن أن نحلها فترجع العقيدة صافية من جديد.

 

اللون الثاني: أن نحاول غرسها فيمن لم توجد عنده. أما الذي لا توجد عنده العقيدة بوجود إله واحد فيجب أن تكون مواجهته من الواقع المحس له، والمشاهد الذي لا نكران له ولا جحود؛ لأنه لا يعتقد بوجود إله واحد. ولا يؤمن بغيبيات وراء المادة، ولا يؤمن إلا بالمادة المحسة، فننقله من المادة المحسة إلى غيب يجب أن يعتقده. فنقول له:

 

أنت لا تشك في وجود نفسك، ولا تشك في وجود كون أنت تتصل به اتصال انتفاع، فإذا ما استعرضت نفسك، واستعرضت الكون، واستعرضت الحياة الموجودة في هذا الكون الذي تنتفع به، وجدت نفسك سيد هذا الكون؛ لأن الكون المحس لك لا يخرج عن أجناس تقترب منك مرة وتبتعد أخرى، فأقرب الأجناس إليك الحيوان بلا شك، تتميز عنه بالفكر. وبعد ذلك يأتي جنس آخر يقترب من الحيوان إلا أن الحيوان يمتاز عنه بالحس والحركة، وهو النبات. ويأتي جنس آخر يتميز عنه النبات بالنمو، وهو جنس الجماد. فأنت بالاستقراء الكوني الوجودي جنس بين أجناس، هذه الأجناس: حيوان يقرب منك، ونبات يبعد عنك مرحلتين، وجماد يبعد عنك ثلاث مراحل.

 

فإذا ما نظرت إلى سيادتك على هذه الأجناس، وجدت أن كل جنس أدنى يكون في خدمة الجنس الأعلى، فالجماد في خدمة النبات: يمده بعناصر غذائه؛ لينمو، ويمده بالماء، والماء جماد أيضًا، وبعد ذلك يأتي ليخدم الحيوان أيضًا، ويخدم الإنسان أيضًا، فالجماد في خدمة الأجناس الثلاثة التي تعلوه.

 

فإذا انتقلت إلى مرتبة النبات، وجدت النبات في خدمة الجنسين اللذين يعلوانه: جنس الحيوان، وجنس الإنسان. فإذا ما ارتقيت إلى جنس الحيوان، وجدت ذلك الحيوان في خدمة ذلك الإنسان. إذن فالإنسان سيد هذه الأجناس، وكلها تصب في خدمته، فمن ذا الذي سخرها له؟ إنه الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد!! كلام استقرائي منطقي واقعي لا يجادل فيه أحد لم نقل فيه قال الله ولا قال رسول الله". انتهى الاقتباس. 

 

والعقيدة العقلية الصحيحة الصالحة تجعل الإنسان راضيًا مقتنعًا بالتكاليف التي تترتب على من يتبعها أن يؤديها، العقيدة الصحيحة الصالحة هي التي تجيب على كل ما يدور في خلد الإنسان من تساؤلات عن نفسه، وعن الكون الذي يعيش فيه، وعن الحياة الدنيا، وعما قبلها، وعما بعدها، بداية، ونهاية بشرط أن تكون هذه الإجابات مقنعة للعقل تمامًا، وتملأ القلب طمأنينة؛ فلا تترك فيه مجالا للريبة والشك، وتكون موافقة لفطرة الإنسان السليمة، بمعنى أنها تقرر ما في فطرة الإنسان من عجز، واحتياج إلى الخالق المدبر، فالإنسان مفطور على حب التملك، وهو مفطور على التدين، والميل إلى تقديس قوة عظمى، فتبيح له العقيدة التملك، وتبيح له التدين، وتقديس الأشياء العظيمة لديه، لا أن تمنعه من التملك، والتدين، والتقديس، وتقول له: "الدين أفيون الشعوب" كما فعلت الشيوعية مع أتباعها، وهذا هو المقصود بموافقتها للفطرة السليمة.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالخميس, 13 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع