- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة السابعة والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
وأخبر سبحانه أنه يهدي من اتصف بصفات معينة، ووصف من اتصف بصفات معينة بأنهم مهتدون، فقال سبحانه: (قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)، وقال سبحانه: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
ونَسب الله سبحانه وتعالى اختيار الهداية والضلال إلى العباد في مواضع متعددة من القرآن الكريم، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما ربك بظلام للعبيد).
فمع خلق الله سبحانه خاصية اختيار الهدى والضلال في الإنسان، ترك له أن يختار، وهو سبحانه يحاسبه على اختياره، وعليه تفهم الآيات الكريمة التي فهمها بعض الناس على ظاهرها دون ربطها بباقي الآيات من مثل (فإن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء)، فهذه الآية وأمثالها لا تعني أن الله تعالى يجبر أحداً على اختيار الهدى وعلى اختيار الضلال، بل بربطها بباقي الآيات التي ذكرنا بعضها هنا تدل على أن الله سبحانه هو الذي خلق في الإنسان خاصية الاختيار بين الهدى والضلال، وتدل أيضاً أنه لا يقع شيء في ملك الله سبحانه بغير علمه وبغير مشيئته، فلا يهتدي أحد جبراً عن الله ولا يضل أحدُ جبراً عن الله: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله )، فالأولى أن تحمل هذه الآيات على الهداية والضلال المذكورين في آيات كثيرة مما أشرنا إليه (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً) (ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً)، فمن كان في الضلالة أي من اختار الضلالة وحرص عليها فهو ممن شاء الله أن يضلهم بأن يمد له في الضلال، والذين اهتدوا هم من الذين شاء الله سبحانه أن يهديهم، يقول سبحانه وتعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم).
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بعلمه المطلق عن أناس بأعيانهم أنهم لا يؤمنون، وكان هذا معجزة للناس، وتحدياً لأولئك الذين أخبر عنهم أنهم من أصحاب النار، كأبي لهب، فالله تعالى لم يجبره على الكفر وعلى العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام، لكن الله سبحانه أخبر بعلمه المطلق أنه من أصحاب النار، وانظر إلي أبي لهب كيف بقي مصراً على الكفر رغم نزول سورة المسد، ومات مصراً على الكفر بكامل إرادته، وذاك أبو جهل، وذاك الوليد بن المغيرة (سأصليه سقر)، وغيرهم.
وأخبر الله سبحانه وتعالى أن الهدى هو من عند الله، وأن الهدى إنما هو هدى الله، وما عداه فهو ضلال، ووصف الله سبحانه القرآن بأنه هدى، ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هدى.
بهذا الميزان وبهذا الفهم لهذا الميزان، يتبع العبد هدى الله ويتوخّاه ويتحرّاه ليزيده الله سبحانه وتعالى هدى وتوفيقاً، ويوقن العبد أنه باستقامته على الحق وعلى الطريق المستقيم يكون من المهتدين، فيحرص على ذلك بالاستمرار على الالتزام بأوامر الله سبحانه واجتناب ما نهى عنه حتى لا يحرم الهدى والتوفيق.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد - الأردن