الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

لو كان الفقرُ رجلاً لقتلتُه !!

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُّ لله الذي أنعمَ علينا بنعمةِ الإسلامِ العظيمِ وكفى بها من نعمة ، وأنزلَ لنا نظاماً ربانياً عادلاً من لدنْ حكيمٍ خبير ، نظاماً شاملاً لكافةِ شؤونِِ الحياةِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والحكمِ والعقوباتِ وغير ذلك ، فنعمنا به ردحاً طويلاً من الزمن حينما كان المسلمون يرفلون بعزِّ دولةِ الإسلامِ وخيراتِها وأمنِها وأمانها، إلى أن حلّت الطامةُ الكبرى بدولتنا العظيمةِ التي كان جيشُها لا يُقهر فأصيبت في مقتل ، وأيُّ مقتل ؟! سنواتٌ عجافٌ من الظلمِ والقهرِ والاضطهادِ والمعاناة والقائمةُ تطول ..
وإني وإن كنتُ أرثي هذا الحالَ المُزري الذي وصلنا إليه وما آلت إليه أمتُنا ، إذ أننا نعيشُ مفارقةً عجيبةً بين اليومِ والأمس ، ولكن الأمةَ التي تحتضنُ الخيريةَ في جوانبِها إلى يومِ الدين بدأت تستلهمُ معالمَ العزةِ وتتنسمُ ريحَ الكرامةِ التي نتوقُ لها اليوم ، حتى نضعَ الخطوطَ المستقيمةَ بجانبِ الخطوطِ المعوجّةِ فيستقيمُ طريقُنا بحولِ الله ، ونعودُ كما كان أسلافُنا من قبل .

ولما كان الإسلامُ عقيدةً ونظامَ حياة ، جاء بمعالجاتٍ شاملةٍ لمشاكلِِ البشرِ كافة ، فلا بُدّ أن ما يعانيه المسلمون اليومَ من مشاكلَ اقتصاديةٍ على وجه الخصوص ، لم يكن ظاهرةً طبيعيةً أو متوارثةً منذ القدم ، فالكلُّ يشهدُ لدولةِ الإسلامِ عبرَ العصورِ بأنها كانت دولةً صناعيةً وحربيةً وفيها اكتفاءٌ ذاتيٌ من الطرازِ الأول ، حتى تفاخرَ خلفاؤها وخاطبوا السحابَ وحسبت لهم الدولُ العظمى آنذاك ألفَ حساب ، ولو تحدثنا بإيجازٍ غيرُ مُخِّل حول إحدى المشكلاتِ الاقتصاديةِ التي يكتوي بنارِها العالمُ أجمع ألا وهي مشكلةُ الفقر.
إن المُتابعَ لما تُطالعنا به وسائلُ الإعلامِ والصحفُ والنشراتُ الاقتصاديةُ ليعجبُ أشدَّ العجبِ حينما يعلمُ أن الفقرَ أصبح ظاهرةً ومشكلةً عالميةً تعدت دولَ العالمِ الثالثِ (الدول الفقيرة) ليمتدّ فتكُها إلى الدولِ المتقدمةِ والتي صرّح كبارُ مسؤوليها بذلك ، وبلغةِ الأرقام : يقولُ تقريرٌ للأممِ المتحدة أن مليارَ شخصٍ في العالمِ محرومون من الأساسيات، أيّ الحاجاتِ الأساسية، ومنها الماء، وإن 20% من سكانِ العالمِ يستهلكون 86% من ثرواتِه ، وفي سويسرا مثلاً كشفَ إحصاءٌ حكوميّ أحيط بشيءٍ من التحفظِ ، بأن عدداً كبيراً من المواطنين هم فقراءٌ حقيقيون حيثُ بلغت نسبةُ الفقرِ 50 % خلال بضعِ سنوات وأن هذه النسبةَ في حالةِ ازدياد ، وأما في بريطانيا فيوجدُ 12 مليون فقيرٍ يعيشون فيها ، وفي أمريكا 10 % من الشعبِ الأمريكي يعتبرُ فقيراً ، وأما في ألمانيا فقد بلغَ عددُ الذين يعيشون في حالةِ فقرٍ 3 مليون إنسان ، هذا في الدول المتقدمة صناعياً ، وأما الحديثُ عن دولِِ العالمِ العربيِّ والإسلامي فهو أدهى وأمّر، حيثُ أن أكثرَ السكانِ يعتبرون من الفقراء ويعيشون تحت خط الفقر، فدولُ إفريقيا مثلاً تشهدُ وضعاً مأساوياً في الكثير من مناطقِها وأن الأطفالَ يموتون جوعاً وعطشاً ، وبالأمس القريبِ على سبيلِ المثال كشف تقريرٌ لمركز الإحصاء الفلسطيني أن أكثرَ من ربعِ أهلِ فلسطينَ يعانون الفقر والعوز ، وإنه لا يختلفُ اثنان عاقلان على أن تطبيقَ أحكامِ النظامِ الاقتصاديِّ الرأسماليِّ في بلاد الكفر وبلادِ المسلمين ، هو سببٌ جوهريّ لهذه المشكلة ، وغيرها من المشاكلِ المستعصيةِ التي أوجدتها الرأسماليةُ العفنةُ التي أحلت كافة الوسائلِ والطرقِ غير المشروعةِ لكسبِ الثروة ، فازداد الأغنياءُ غنىً والفقراءُ فقرا ، ولكن السؤال الذي يطرحُ نفسه في هذا المقام ،، ما بالُ أمةِ الإسلامِ قد أُدرجت في قوائمِ الدولِ الفقيرةِ والمتخلفة ، وهي التي حباها اللهُ تعالى بثرواتٍ هائلةٍ براً وبحراً ، على سطحِ الأرضِ وفي باطنها ، ثروةٌ بشريةٌ ( عضليةٌ وذهنية )، والكثيرُ الكثيرُ من الخيراتِ التي تؤهلُها لتقودَ العالمَ اقتصادياً وصناعياً لا أن تتصدى وتقضي على مشاكلِها فحسب ؟؟!!
وهنا لا بُدَّ لي من وقفةٍ وأن أقول : إن النظامَ السياسيّ لا يمكنُ أن ينفصلَ بحالٍ من الأحوالِ عنِ النظامِ الاقتصادي لأيِّ دولةٍ من الدول ، فالدولةُ التي تمتلكُ زمامَ أمورِها وتنخلعُ من ربقةِ التبعيةِ البغيضةِ تستطيعُ حينئذٍ أن تتحكمَ بخيراتِها وثرواتِها وقرارِها وسياستِها الداخليةِ والخارجيةِ واقتصادِها ، ولأن الدولَ الغربيةَ الرأسماليةَ لا تقومُ أساساً على نظامٍ صحيحٍ في السياسةِ والاقتصادِ ومعالجاتٍ وحلولٍ جذريةٍ لمشاكلِها فليست مقياساً للحكمِ ، ولكنّ غيابَ الحكمِ بما أنزلَ الله جعلَ الأمةَ الإسلاميةَ تتخبطُ في دياجيرِ الظلام ، في حياتِها الاقتصاديةِ التي أُغرقت بأحكام الكفرِ المستوردةِ من الرأسماليةِ البغيضة ، ولما غاب الكيانُ السياسيُّ جُزئت دولةُ الإسلامِ إلى دويلاتٍ كرتونيةٍ هزيلة ، ونُصِّب عليها حُكامٌ عملاءٌ نهبوا ثرواتِها وجعلوها مرتعاً ونهباً لكلِّ مستعمرٍ طامع ، حتى غدت في أدنى الأمم ، تتسولُ على موائدِها كالأيتامِ على موائدِ اللئام ، تكتوي بنار المديونية ، نفطُها وقودٌ لقتلةِ المسلمين في كلِّ مكان ، والمجالُ يتسعُ كثيراً لسردِ الويلات والمصائبِ ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

ولو عدنا للفقرِ الناجمِ عن المشكلةِ الاقتصادية الأساسية من منظورٍ إسلاميِّ ، التي هي سوءُ توزيعِ الثروةِ على جميعِ الأفرادِ فرداً فرداً ، بما يضمنُ إشباعَ حاجاتِهم الأساسية (المأكل، والملبس، والمسكن) وبذلُ الوسعِ لإشباعِِ حاجاتِهم الكماليةِ التي تتطورُ بتطورِ العصر وتقدمه العلميِّ والتكنولوجيِّ والمعرفيِّ ، بخلافِ النظرةِ الرأسماليةِ التي تصورُ المشكلةَ على أنها الندرةُ النسبيةُ للسلعِ والخدمات ، بمعنى أن المواردَ محدودةٌ في حينِ أن الحاجاتِ والرغباتِ متجددةٌ وغيرَ محدودةٍ وبالتالي عدمُ كفايتِها ، أضف إلى ذلك ما يُسمى لديهم بحريةِ التملكِ ، التي تؤدي إلى امتلاكِ أكبر ثروةٍ ممكنةٍ بغضِ النظرِ عن وسائلِِ التنمية ، مما يجعلُ الثروةَ تتركزُ في أيدي فئةٍ قليلةٍ ويُحرمُ منها الآخرون ، الذين بدورهم يغرقون في الفقر .

ولو عدنا كذلك للربعِ الفقيرِ من أهلِ فلسطينَ ولفقراءِ المسلمين بل لفقراءِ العالم أجمعين ، وأدركنا حجم َالمأساةِ التي يعيشونها لتبادر لأذهاننا ذلك السؤالُ المنطقيّ : كيف لكم أيها الفقراءُ أن تعيشوا دون أن تفكروا وتبادروا لقتلِ فقرِكم ؟؟؟ كيف لكم أن تقتلوا أنفسكم بدلاً من أن تقتلوا ضعفكم وجبنكم وسكوتكم على هذا الذلِّ والهوان ؟! كيف لكم أن تعيشوا هذه السنواتِ الطوالَ دون أن تأخذوا على أيدي الظالمين ، وتحاسبوهم لكي لا يعمكم اللهُ من عنده بعقاب ، وها أنتم قد عاينتم بأنفسكم ثرواتِكم المكدسةَ في قصورِ طغاة ليبيا ومصرَ وتونسَ وفي بنوك سويسرا وما خفيَ كان أعظم !

قد يسألُ سائل : ولكن كيف ؟؟ بأن تضعوا أيديكم على مكمن الداء ، وتتيقنوا بأن لا حلَّ جذري لهذه المعضِّلة كغيرها إلا بكيانٍ قائمٌ على مبدأٍ صحيح فكرة وطريقة ، ولا أبلغ ولا أشمل ولا أسمى من المبدأ الإسلامي القائم على العقيدة الإسلامية التي تقنعُ العقل وتوافقُ الفطرة من عندِ الله العزيز الحكيم ، هذا المبدأُ الذي يقدمُ لنا سياسةً اقتصاديةً مُثلى تُعالجُ الفقرَ كمشكلة اقتصادية ناجمة عن عدم إشباع الأفراد حاجاتهم الأساسية وناجمةٌ أيضا عن مجتمعٍ أفراده بينهم تفاوتٌ شاسعٌ في امتلاكِ الثروة ، لذلك حثّ الشرعُ الأفراد على السعي لكسب الرزق والعمل ، سُئِلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: أيُّ الكسبِ أفضلُ ؟، قالَ: (عَمَلُ الرَّجُلِ بيدِهِ، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ) رواه أحمد
كذلك أوجب على الدولة أن ترعى شؤون رعيتها ومنهم الفقراء الذين تسعى لسدِّ حاجاتهم من مصارفِ الزكاة في بيتِ المال ، وإن لم تكفِ هذه الأموال أصبح لهم حقاً في أموال الأغنياء من خلال الضرائب وهذا فرضٌ لقوله تعالى : (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) الذاريات. بالإضافة للأحكام الشرعية المُتعلّقة بتحريمِ الربا والاحتكار والغش والتدليس في البيع والتسعير وغيرها ، كلُّ ذلك لم ولن تُطبقَّه إلا دولة الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريباً جداً إن شاء الله كما طبقَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وخلفاء المسلمين، فعمَّ الخيرُ والرخاءُ والعيشُ الرغيد ، وما كان هذا بِدعا من القول ، بل حقيقةٌ كالشمسِِِ في رابعةِ النهار ، ومن يقرأ سيرةََ خلفاء كعمر بن الخطّاب - رضي الله عنه- الذي نعِم المسلمون في خلافته بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ، وجيء بسواري كسرى وأبى إلا أن يقسمّها بين المسلمين ، وبكى خوفاً من إقبال الدنيا بنعيمها عليه، وكعمر بن عبد العزيز وكيف كان الرخاءُ الاقتصاديُّ في عهده ، حيثُ كانت الجمالُ تطوفُ البلادَ محمّلة بأموالِ الزكاة فلا تجد لها مُستحقا ، الذي كانت تُسرجُ عليه الشمعةُ ما كان في حوائجِ المسلمين ، فإذا فرغ أطفأها وأسرج عليه سراجه . هذا غيضٌ من فيض من حالِ هؤلاء الذين سادوا الدنيا وحكموها بالقسط فأعزهم الله ، وما ذلّت أمةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا حينما ابتغت العزة من الرأسمالية والعلمانية والديمقراطية الكافرة .

إن الأمةً بفضلِ الله تعالى أثبتت من خلالِ ثوراتها الأخيرة، أنها كالمارد الذي لا بُدَّ أن ينهض ، وبأن الماردَ مهما يغفو كما قال أحد المتخوفين الغربيين من قيامِ الخلافة لا بُدَّ يوماً أن يستيقظ ، وبأن هذا زمانُ فكرةٍ قد آن أوانُها ، ليسود الإسلامُ السياسيُّ ، وننعتقُ من شرورِ الفساد الرأسمالي الظالم ، ونعود كما كنّا خيرَ أمةٍ أخرجت للناس ، نحملُ رسالة هدى للعالمِ أجمع ، لا ضنك فيها ولا شقاء بل بركاتٌ من السماء ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ (96) ) الأعراف . وستتحققُ فينا بشرى رسولنا صلى الله عليه وسلم : " يكونُ في آخرِ الزمانِ خليفةٌ يحثو المالَ حثوا ولا يعده عدا " رواه الإمام أحمد في مسنده. وحينها يفرحُ المؤمنون بنصرِ الله ، فتمتلئُ الأرضُ عدلاً بعد أن مُلئتَ جورا وما ذلك على الله بعزيز ، فاللهم اجعل ذلك اليوم قريبا اللهم آمين .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوبُ إليك

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كتبته : أم القعقاع

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع