رسالة إلى الشباب حامل الدعوة ينبغي أن يتمثل فيه قوله (صلى الله عليه وسلم) (...وشاب نشأ في طاعة الله )
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإسلام ،وهدانا بفضله إلى حمل دعوته ،وعصمنا من الفتن ووقانا شرها برحمته .أحمدك ربي حمد عبد آمن بوحدانيتك فلم يشرك بك شيئا من خليقتك ،وأستغفرك وأتوب إليك من كل سيئة أخفيتها أو جهرت بها. وأصلي على نبيك محمد خير الورى ،الذي اصطفيته وفضلته على جميع أنبيائك ورسلك ،بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وهداها إلى المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال منحرف .وارض اللهم عن الصحابة الكرام ،البررة الأخيار ،الذين كانوا خير القرون،حملوا لواء الإسلام ونافحوا عن هذا الدين وجاهدوا في الله حق جهاده ، لم يبدلوا ولم يغيروا حتى أتاهم اليقين .وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان ،الذين ساروا على الدرب بإتقان ،ونسألك اللهم أن ترضى عنا معهم وأن تلحقنا بهم في جنات النعيم إنك أنت السميع الكريم .
إن الناقد البصير لأمر هذه الدنيا، ليدرك أيما إدراك واقع أمرها ،أنها غرورة تخدع أهلها ،فمتاعها زائل وعمرها قصير ،من عقل أمرها؛اتخذها مطية لآخرته، ومن غرته بزخرفها وزينتها أوردته المهالك .قال تعالى :( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ).فالدنيا بغروها إنما هي صنو الشيطان والله قد قرنهما في بيان التحذير فقال: ( .. فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).أما الذين أدركوا حقيقتها فإنهم لم يتركوها ولم يعتزلوها ،بل اتخذوها مطية يمتطونها لبلوغ الآخرة .
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :(لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر وإذا قال العبد لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّه أعصانا لربه )
قال بعض الحكماء: من أعطي العلم والقرآن ينبغي أن يعرف نفسه، ولا يتواضع لأهل الدنيا لأجل دنياهم، فإنما أعطي أفضل مما أعطي أصحاب الدنيا، لأن الله تعالى سمى الدنيا متاعا قليلا فقال: "قل متاع الدنيا قليل" وسمى العلم والقرآن "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا".
أيها الشباب :
أنتم اليوم في ريعان شبابكم ، وفي زهرةِ أعماركم وزهوتها.فزرعكم ما زال أخضراً ولم يصر هشيماً بعد،والله سبحانه قد فتح لأمثالكم بابا من أبواب الخير على مصراعيه، تلِجونَ منه إلى الجنة، وترتقون من خلاله إلى شرفات العز في الدنيا قبل الآخرة.ولا غرابة في ذلك .فلقد سطر التاريخ في صفحاته أروع الأمثلة لشباب هم في العمر في مثل أسنانكم ،ضربوا أروع الأمثلة في طاعتهم لله في كل الميادين ،قلبوا صفحات تاريخهم لتجدوا توقيعاتهم في كل ميادين الطاعة،في برهم للوالدين نرى أويس القرني علماً من أعلامهم حتى إن رسول الله )صلى الله عليه وسلم)قد أوصى سيدنا عمر أن إذا لقيه أن يطلب منه أن يدعو له لأن دعاء أويس مستجاب.وكذلك المرأة التي أتى رسول الله قبيلتها ليسأل عنها إكراماً لها لا لشيء إلا لأنها لما فرَّ قومها هرباً من أعدائهم ما كان منها إلا أن حملت أمها وفرت بها وكانت كلما تعبت وضعت أمها على رجليها وجلست على الأرض تتحمل عن أمها حر الرمضاء خشية أن تتأذى أمها ،قلبوا صفحات التاريخ أيها الإخوة واسألوا عن أخلاقهم الحسنة مع أقرانهم،وعن جهادهم في سبيل الله وتضحياتهم في سبيل عزة هذا الدين ،اسألوا التاريخ عن تفانيهم وحبهم لرسول الله ودفاعهم المستميت عن نبيهم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم شباب الإسلام الذي كانوا في مثل أعماركم ؟ فمنهم من تغير التاريخ على يديه كسعد بن معاذ رضي الله عنه ،ومنهم من قاد الجيوش وأقسم أن يطأ تراب الصين وهو قتيبة بن مسلم الذي قاد الجيش وهو في العشرينات من عمره ففتح بلاد ما وراء النهر ـ أوزبكستان الحالية وطاجكستان وقرغيزيا وقسم من قازغستان، كما فتح قسماً من تركمانية وكذلك تقدم في أفغانستان ثم اندفع كالإعصار شرقاً فدخل مدينة كاشغر الكائنة في تركستان الشرقية ضمن الصين.إنهم رجال وأي رجال.هذا علي كرم الله وجهه كان بطلاً مغواراً، وكان اللواء بيده في كثير من المشاهد والغزوات، دفع الرسول عليه الصلاة والسلام إليه الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة وكان حامل الراية يوم خيبر.أما أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ، فقد كان أحد القادة الفتيان، توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام ولأسامة عشرون سنة، وقيل ثمانية عشر عاماً، وكان قد أمّره رسول الله عليه الصلاة والسلام على جيش عظيم فتوفي رسول الله عليه الصلاة والسلام فأنفذه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ، لمحاربة الروم في الشام، وكان عمر بن الخطاب يجله ويكرمه، وكان لا يلقى أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، توفي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنت عليّ أمير.
هذا على صعيد القتال.أما على صعيد الفقه وتحمل أعباء الدعوة فإليكم البيان :
هذا زيد بن ثابت الأنصاري، كان عمره حين قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- المدينة إحدى عشرة سنة، جمع القرآن زمن أبي بكر يعني أنه كان في أوائل العشرينات من عمره.أي إنه كان في مثل أعماركم.
ومن فتيان الصحابة وعلمائهم: عمرو بن حزم الخزرجي، حيث استعمله رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو ابن سبع عشرة سنة، على أهل نجران ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن. وربيعة الرأي صار محدّث المدينة وفقيهها وإمامها رغم حداثة سنه؛ كان مجلسه يضم مالك بن أنس (صاحب المذهب المعروف) وأبا حنيفة النعمان وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد .والإمام أحمد ـ رحمه الله ـ كان قد برع في طلب الحديث وعمره ست عشرة سنة، نشأ يتيماً وعنيت به أمه. واشتهر علمه في الآفاق، وقيل: إنه طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وأنه حج وعمره عشرون سنة ماشياً، ليس معه إلا جراب فيه كتبه، كان يضعه فوق لَبِنَةٍ، ويضع رأسه عليه.
ومن علماء هذه الأمة الإمام البخاري، حيث ربته أمه ثم قرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، وصنف في قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وهو ابن ثماني عشرة، وصنف كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في الليالي المقمرة . فهؤلاء الرجال وأقول الرجال لأنهم بحق رجال كانوا قد نشؤوا في طاعة الله فلم تأخذ منهم الدنيا مأخذها ،ولم تلههم بزينتها ،ولم يروا من أنفسهم ما يدعوهم للظن أنهم ما زالوا صغارا ،بل وجدوا فيها ما يدعوا إلى تسلق الجبال الشاهقة طمعا في نيل المعالي فعقدوا العزم واستهانوا بالصعاب فلانت لهم الجبال الراسيات ،واستعظموا أهدافهم فصغرت في أعينهم زخارف الدنيا ومغرياتها فكانوا بحق جيلا فريدا نفاخر به الدنيا بأجمعها ونزهوا به فوق العالمين .
فلا تعجبوا أن يكون فيكم من يبز أقرانه في حمله لهذا الإسلام فيسطر التاريخ مواقفكم بمداد من ذهب لتروا ذلك يوم القيامة حسنات في صحائف أعمالكم تباهون بها الخلائق .
أيها الإخوة :
لو استعرضنا وإياكم أعمار هؤلاء الرجال وأقولها أخرى الرجال لوجدناها قريبة جداً من أعماركم ، فزيد بن ثابت الأنصاري لما كلف بالمهمة العظيمة وهي جمع القرآن كان في أوائل العشرينات من عمره،وعمرو بن حزم الخزرجي، حين استعمله رسول الله عليه الصلاة والسلام على أهل نجران كان عمره سبع عشرة سنة،. وربيعة الرأي عندما صار محدّث المدينة وفقيهها وإمامها بحيث يجلس مثل أبي حنيفة النعمان والأوزاعي والثوري في مجلس علمه كان عمره حوالي ثلاثين عاماً،وأسامة بن زيد لما ولاه الرسول عليه الصلاة والسلام قيادة الجيش لقتال الروم وعمره قريب من العشرين ،وقتيبة بن مسلم الذي فتح بلاد ما وراء النهر وهو في العشرينات من عمره .
أفلا يلفت انتباهنا حداثة سن هؤلاء الرجال وتوليهم لمثل هذه المهام العظام ؟ ثم أزيدكم من الشعر بيتا :ما الذي خول مثل هؤلاء الرجال وجعلهم يضطلعون بمثل هذه المسؤولية وينشؤون هذا النشأة ؟ أهي نعمة خصهم الله بها ولا يمكن لأحد أن يكون مثلهم؟
إنكم أيها الإخوة قد جبلكم الله من نفس الطينة التي جبل منها هؤلاء الرجال العظماء،وأنتم اليوم أولى الناس بحمل الأمانة والنهوض بهذه الأمة سيما وأنكم قد حباكم الله حزباً عظيماً يحمل فكراً عظيماً تتيهون به على الدنيا بأجمعها . فحالكم اليوم أفضل بكثير من حال هؤلاء الأبطال الذين ذكرتهم لكم .
فمنهم من قد نشؤوا في فقر وقلة زاد وصد ممن حولهم وعناد،وبحر دامس الظلام من ظلمات الجاهلية ،ومنهم من لم يجد إلا أمه لتدفعه تجاه الفقه والعلم بعد أن قد نشأ يتيماً .أما أنتم فمن ورائكم حزب عظيم يقوده رجل عظيم نذر نفسه لأمر عظيم هكذا نحسبه والله حسيبه .فأروا الله من أنفسكم خيراً ولا يلفتنكم عن هذا الخير فتنة الدنيا وزخرفها ،ولا يلفتنكم عن هذا الخير أهداف هابطة وغايات تافهة واجعلوا غايتكم نوال رضوان الله فهي والله الفوز والفلاح .عسى أن نرى وإياكم فجر هذا الدين وقد انبلج عنه صباح يوم الخلافة لتشرق شمسها على هذا الوجود فتملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجورا ً.
إن الشباب في هذا الزمان تعتريهم نشوة المراهقة، فتراهم يهيمون على وجوههم ،يقلدون كل صرعة يخترعها الكافر ويبعثها إليهم، في غزوة فكرية لا تهدأ أمواجها ولا تفتر صيحاتها .ولا غرابة في ذلك فالشباب في هذه الأيام يعيشون حالة من الفراغ الفكري ،حالهم كحال عجل السامري صنعه لهم من قبضة من أثر الرسول ،ووضع عليه من زينة القوم ما وضع .حتى صار عجلا له خوار فقال هذا إلهكم وإله موسى من قبل، وموسى عليه السلام حينها كان على موعد مع ربه وخلفه هارون عليه السلام في قومه. رجل مستضعف لا طاعة له على قومه.وكذا حال الشباب اليوم دولتهم غائبة وشريعتهم معطلة وحملة دعوتهم مضطهدون ومطاردون ولا ناصر لهم فأنى لهم أن يُسمع قولهم ؟؟من هنا نقول: إن دوركم أيها الشباب أن تحملوا على عاتقكم مسؤولية مقاومة هذه الدعوة السامرية ،فتحرقوا عجل الرأسمالية والعولمة وأفكارها الهدامة وتنسفوها في اليم نسفاً .فلا تقلدوا أقرانكم في هذا الزمان بأقوالهم وأخلاقهم، بل تميزوا عنهم بحملكم للإسلام وتمثلكم بأحكامه.تميزوا عنهم وعن الناس كافة بتقيدكم بالحكم الشرعي في كل صغيرة وكبيرة. لتكونوا عنواناً لهذا الدين، يأرز إليكم كلُّ من يبحث عن الحق ،حتى تكونوا الشامة بين الناس . فلا بد أن يتمثل الإسلام فيكم في كل صغيرة وكبيرة .في بيوتكم حيث الطاعة للوالدين تبدو بأسمى صورها،وفي أهلكم حيث يبدوا الإسلام على محياكم ليروا فيكم القدوة لهم،وبين الناس لتنشروا هذا الخير بشكل عملي في تصرفاتكم ومعاملاتكم مع الناس حتى يشار إليكم بالبنان فيقال هذا الإسلام يدب على الأرض .
احفظوا لأصحاب الفضل عليكم فضلهم ،وانشروه بين أقرانكم .وانظروا إلى سلف هذه الأمة كيف كانوا يحفظون الفضل لأهل الفضل : هذا الإمام أحمد وقد تلقى بعض العلم والسنن عن الإمام الشافعي خلال إقامته بالعراق. كان يقول: (ما بتّ منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له) ولما سأله ابنه عبد الله: أي رجل كان الشافعي؟ قال: (يا بني! كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، هل لهذين من خَلَفٍ؟ أو عنهما من عِوض)وعندما علم سفيان الثوري بقدوم الإمام الأوزاعي إلى مكة للحج :خرج منها سفيان يستقبل ضيفها، حتى لقيه بذي طوى، وأخذ بخطام بعيره يقوده ، فكان إذا مرّ بجماعة يشغلون الطريق قال: الطريقَ للشيخ...
وقال أبو حنيفة : ما صليت منذ مات حماد بن مسلم الأشعري (وهو شيخه وكانت وفاته سنة 120) إلا استغفرت له مع والدي، وما مددت رجلي نحو داره وإن بيني وبينها سبع سكك، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه أو علمني.
هؤلاء هم قدوتكم إخواني الشباب، أبناء الرعـيــل الأول؛ وليسوا شباب الفن والطرب وأجيال الهزائم!
نماذج نضعها بين أيديكم ولكم فيها قدوة حسنة تنسجون على منوالها بإذن الله، عسى أن تكونوا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.فأخلصوا العمل لله أيها الإخوة واتقوا الله الذي يراقبكم ،اتقوا الله في سركم وعلانيتكم واحذروه فإليه المرجع والمصير ولا تجعلوه أهون الناظرين إليكم . نعم أخي الكريم لا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك، بل راقبه، وإذا جلست للناس محدثا ،فكن واعظاً لقلبك ونفسك. ولا يغرنك اجتماعهم عليك. فإنهم يراقبون ظاهرك. والله يراقب ظاهرك وباطنك.
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه ،وجعلنا وإياكم ممن يستحقون النصر والاستخلاف والتمكين والحمد لله رب العالمين
كتبه
أبو إسلام