تصدّعات في النظام السوري سلسلة من قلب الثورة السورية ح2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
من اللافت للنظر وبعد حوالي العشرة أشهر من مسيرة أكبر وأعظم ثورة في العالم الإسلامي، تفكك الترابط القوي جدا للجيش السوري الذي كان يوصف بالعقائدي. بينما نرى تماسكاً قوياً في المجال السياسي الهش والمتآكل أصلاً. مما فسره كثير من الإعلاميين خطأً عن أنه تماسك في النظام والدولة والحكم لنظام بشار الأسد.
يقول تعالى: ( وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ). (فاطر)
إن النظام السوري البعثي الأسدي عاث في الأرض فسادا في طول البلاد وعرضها على مدى أربعة عقود ويزيد. فأوجد ليس شرخاً بل شروخاً في المجتمع وحركته وعلاقات أهله بين بعضهم.
" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً " ( القصص )، وإن البعث وآل الأسد في سوريا ساروا على هذه السياسة الشيطانية، ففرقوا بين طبقات الناس، رفعوا شيعاً فوق شيع. قربوا فرقاء وأذلوا فرقاء آخرين. صار في المجتمع الواحد سواء في المدينة الكبيرة أم في القرية الصغيرة، مجموعة رشيدة كانت ومازالت ثابته بمواقفها ومجموعة منتفعة مهمتها التجسس والتنصت على أولئك. وبكلمة أو بحركة قلم أو بإشارة أصبع تأتي دورية الأمن المعروفة بالمخابرات وتلقي القبض على فرد من المجموعة الرشيدة وتذهب به إلى غياهب السجن أو القبور.
هذا ليس وصفاً مجرداً بل حقائق يعيشها أبناء سوريا كل يوم وكل لحظة حتى صار الخوف والإرهاب جزء من حياة الناس. وكانت أحداث الحادي عشر من أيلول وما نتج عنها من تبني دولي لسياسة مكافحة مايسمى بالإرهاب الذي كان واقعه محاربة الإسلام والمسلمين كانت فرصة سانحة لنظام بشار كي ينقض على المجتمع المتفكك حوله في سوريا وماحولها للتخلص من كل من يُشتبه به مجرد شبهة أنه ليس من المؤيدين أو الصامتين. فازدادت المخابرات فجوراً على فجور، وأطلق رئيسها يدها بشكل غير مسبوق ليس فقط بملاحقة الناس بل وبتصفيتهم فورا. وانتقلت سوريا كي تصبح سجن كبير بل مسلخة بشرية يتم في سجونها التعذيب والتنكيل والسلخ وتقطيع الأوصال ورميها بكل دم بارد.
اعتمد بشكل رئيسي في ذلك على شخصيات مصابة بأمراض نفسية وعقد اجتماعية. مجموعة من الفاشلين في المجتمع والناقمين على أهله المتحضرين، فاختلط الحابل بالنابل إلى درجة دفعت أن يخرج أبناء سوريا إلى الطرقات ثائرين يصرخون بأنه ليس لديهم مايخسرونه، بل إن موتهم في العلن هو مكرمة لهم على أن يُقتّلوا في غياهب الظلمات.
تشرد الملايين وفُقد الملايين ولم يعد باستطاعة المجتمع استيعاب أكثر من هكذا جرائم. وكان أقوى شهود زور لصالح هذا النظام هم أفراده الذين أبدعوا بتمثيل أدوارهم، ولم يكن من فراغ أن صارت الدراما السورية في عهد بشار الدراما الأولى في العالم العربي. لأن الممثلين الكبار هم على رأس الدولة.
ذهب بشار وزوجته لأوربا لتسويق أكاذيبه ومزاعمه حول الإصلاحات والإرتقاء بالبلد والتقدم العلمي والصناعي. والتقى بممثلي مايسمى بالجاليات السورية في الغرب ودغدغ مشاعرهم بحديثه عن عفو عام يشمل كل من لم يرتكب جرما أو حمل سلاحا ضد النظام. وماكان يدير ظهره حتى تعود الإعتقالات التعسفية والممارسات الهمجية.
لم يكن يحتاج الشعب السوري إلا إلى شرارة وتطمينات كي تنطلق ثورته العارمة. أما الشرارة فقد أتت بتقدير رباني، ولكن لم تكن لتصمد لولا التطمينات التي وصلت لأهل سوريا من رب العالمين بأنكم يا أهل سوريا لستم أقل من غيركم حتى تنتفضوا وتعيدوا كرامتكم المهدورة. تجلت التطمينات بانتصار لثورتين سبقتاها، انتصرتا بزمن قياسي وهما تونس ومصر.
إن أراد الله تعالى حدوث أمرِ أمر الظالمين ففجروا، وهذا ماحدث في سوريا، حيث "تندّر" رئيسها المغتصب للحكم بلقاء صحفي في بداية عام 2011 قائلا ان الإصلاحات في سوريا تحتاج لأجيال. أصاب بهذا القول مقتلاً عند الشعب الصابر. صابر من أجل الصمود صابر من أجل تحرير الجولان صابر من أجل قضية فلسطين. وخلال صبره تتعرض سوريا لإهانة تلو الإهانة من يهود، يسرحون ويمرحون في سماء سوريا، ولارد من جيشهم الباسل ورئيسه المقاوم.
كانت الشرارة خفية محتقنة خرجت من قمقمها في السابع عشر من شباط ثم عادت إليه أكثر احتقاناَ. ثم تواكب خروجها في الخامس عشر من آذار مع اعتقال امرأة من حوران علقت على سقوط مبارك لصديقتها هاتفياً بأن عقبالنا. ثم كانت ثالثة الأثافي اعتقال الفتية في درعا وتعذيبهم والتنكيل بأهاليهم.
وبعد الرد العنيف والذي لم يتناسب مع الحدث من قبل الدولة الأمنية استقال اثنان من أعضاء مجلس الشعب من حوران احتجاجاً على قتل الأبرياء في الشوارع، فما كان من نظام بشار إلا أن جعلهما عبرة لمن يعتبر. نكل بهما وبعائلاتهما، وأجبرهما على الإعلان عن رجوعهما وندمهما.
وهكذا كان العلاج أمنيا لكل من أراد أن ينزع يد الخضوع والخنوع من عبادة آل الأسد. فأصيب الوسط السياسي للنظام برعب لا يختلف بل ربما يزيد عن رعب الشعب من النظام. وأُجهضت كل المحاولات التي قد كانت ستقوم للخروج عن النظام. حتى أعضاء السلك الدبلوماسي كانوا مهددين بأهاليهم وأملاكهم في الداخل إن هم فكروا بمثل هكذا حركات. كان هذا في بداية الثورة، أما الآن وقد تخطت أشهرها العشرة اقتربت من النصر المؤزر، فإن الوضع اختلف، حيث ظهر ثوار من الداخل على الشاشات علنا وأعلنوا أسماءهم وتحدوا النظام، ولم يستطع أن يفعل ما فعله سابفاً. إن الأمة تحتضن هؤلاء الأبطال بل تبحث عنهم، كي يكونوا منارات لها في طريق النصر. وماهي إلا أيام حتى يتسابق أهل السلك السياسي والدبلوماسي لنيل شرف الانشقاق عن عصابة الأسد والانحياز الكامل للحق وأهله ولهذه الثورة المنصورة بإذن الله.
أما المنشقين عن الجيش فقد كانوا في حالة لايمكن معها إلا أحد حلين. الإنشقاق والهروب أو البقاء والإنغماس في دماء الأبرياء. فكانوا إما يؤمنوا على أهلهم قبل الإنشقاق بإخراجهم من سوريا. أو يطلبوا منهم أن يتبرؤا منهم بعد الإنشقاق حتى لايصيبهم مكروه.
بلا شك أن الفارق بين غباء القذافي وغباء بشار هو في أن القذافي جاهر صراحة بذبح الشعب وقتلهم. أما بشار فراوغ وادعى انه والشعب يتصدون للعصابات المسلحة. ورغم أن كل أنصاره يعرفون كذبه إلا أنهم كالشياطين الذين يتبعون ابليس، يظهرون له أنهم مصدقونه لكنهم ليسوا كذلك. حتى يصل بهم إلى جهنم وبئس المصير.
[ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ].( البقرة ) صدق الله العظيم
وللحديث بقية، مابقي نضال وصمود الثورة السورية في وجه الطاغية.
كتبه للإذاعة: حامد الشامي