الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

هل ستسمح أمريكا "لإسرائيل" بضرب إيران؟

بسم الله الرحمن الرحيم


للإجابة على هذا السؤال (هل ستسمح أمريكا "لإسرائيل" بضرب إيران؟) يجب النظر في علاقة إيران بأمريكا تاريخيا وحاليا، كما ويجب البحث في تصريحات الساسة الأمريكان حول هذه المسألة بالتحديد.

 

عند النظر في علاقة إيران بأمريكا تاريخيا، نجد بأن أمريكا بعد أن خرجت من عزلتها عام 1945، تمكنت عام 1952 من أخذ مصر تحت جناحها، وعام 1970 أخذت سوريا تحت جناحها، وعام 1979 أخذت إيران تحت جناحها. والشواهد على تحول إيران عام 1979 إلى الأحضان الأمريكية كثيرة، منها:


1. قضية استلاء شباب الجامعة على السفارة الأمريكية في طهران وحجز جميع الموظفين الأمريكان فيها بتأييد من الخميني، خاصة وأن جميع القوانين والأعراف الدولية تبيح للدولة المعتدى على سفارتها أن تقوم بأعمال عسكرية لحماية رعاياها وممتلكاتها، فكيف إذا كنا نتحدث عن الدولة الأولى في العالم. فمثل هذا العمل لا بد أن يكون بترتيب مع أمريكا، وقد أشار الخميني إلى الطمأنة الأمريكية حينما قال للشباب "إن أمريكا لن تستعمل السلاح فلا تخافوا".


2. ما نشرته جريدة القبس من وثائق الارشيف الوطني عن عام 1979 والتي تضمت برقية أرسلها بيتر جاي، سفير بريطانيا في أمريكا آنذاك إلى الخارجية قال فيها "ان الأميركيين كانوا على اتصال مع مختلف الأطراف: اولا مع البلاط، ثم الحكومة وكبار الضباط، اضافة الى حلقة وصل أساسية مع الخميني ورجال الدين، ثم قادة البازار ورجال الدين المتطرفين في الشارع. وقال أيضا "ان الاميركيين يفضلون التعاون مع الخميني، لانه معروف بكرهه للشيوعيين واليسار وروسيا، كما انه يستطيع ببراغماتية السيطرة على رجال الدين المتطرفين".


3. ما صرح به بريجينسكي في مقابلة مع جريدة نيويورك تايمز بعد الثورة الإيرانية، أن واشنطن سترحب بقوة الإسلام التي بدأت تظهر في الشرق الأوسط، لأنها كأيدلوجية تتعارض مع تلك القوى في المنطقة، التي يمكن أن تكون مؤيدة للاتحاد السوفيتي.


4. ما جاء في كتاب "إيران بين التاج والعمامة" لمؤلفه أحمد مهابة، وهو آخر قنصل مصري في إيران، ما نُقل عن الأميرة (أشرف) شقيقة الشاه: "انه في السبعينات راح الإعلام الغربي يعدد ويضخم مشاكل (الشاه) وأخطائه ، وكان هناك نحو ستين جمعية ومجلة، بالإضافة إلى الدوريات الأمريكية كلها تنشر مقالات معادية للشاه، وكانت ترسل بالبريد لعشرات الألوف من الإيرانيين داخل إيران وخارجها ، وإن بعض هذه الدوريات كان يصدرها محترفون ، يتلقون تمويلا مكنهم من إخراجها في شكل جذاب، جعلها تنجح في شن حرب باردة ضد (الشاه)".

 

ومنذ عام 1979 ، وإيران تخدم أمريكا في تحقيق مصالحها في المنطقة، على عكس ما قد يبدو على السطح. والشواهد على ذلك كثيرة أيضا، منها:


1. خوض إيران الحرب مع العراق من عام 1980 وحتى 1988، حيث كانت هذه الحرب بمثابة محاولة من بريطانيا لإعادة إيران إلى أحضانها على يد عميلها صدام. وقد ذكرت صحيفة الرياض، تحت عنوان الملفات السرية لفضائح جيت، بأن أمريكا باعت أسلحة لإيران بشكل سري طيلة حربها مع العراق.


2. استغلال أمريكا ببراعة للتهديد الإيراني في المنطقة لتعزيز الاتفاقات العسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي و"إسرائيل" وغيرهم.


3. مساعدت إيران لأمريكا في إحتلالها وإستقرارها في أفغانستان، فقد ذكرت صحيفة القدس أن الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني قد أكد بأن القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها. وكشف رفسنجاني في خطبة جمعة بجامعة طهران أنه "لو لم تساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الأميركيون في المستنقع الأفغاني". وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز خبر تلقي حكومة كرازاي أموالاً من إيران، حيث أقرّ كرازاي بذلك، ثم أكّدها المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، بقوله أن إيران "قدمت مساعدة كبيرة.. لتسهيل استقرار أفغانستان". وقد مدحت الادارة الامريكية الدور الايراني في تدريب قوات افغانية لمواجهة الارهابيين (طالبان) في افغانستان. وكذلك شاركت إيران في مؤتمر مجموعة الاتصال الدولية حول أفغانستان، والذي عُقد في 18/10/2010م، ونوقشت فيه العملية الانتقالية. وقد صرح ريتشارد هولبروك المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان وباكستان، وفق وكالات الأنباء في 19/10/2010م، بالقول "نُقر بأن لإيران دوراً تؤديه في التسوية السلمية للوضع في أفغانستان".


4. مساعدت إيران لأمريكا في إحتلالها واستقرارها في العراق. ففي تصريح في مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل بتاريخ 15/1/2004م، قال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس السابق، أنه "لولا الدعم الإيراني لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق بهذه السهولة". وفي تصريح لسفير إيران في لندن قال "أننا تعاونا مع أمريكا لإنجاح الانتخابات في العراق وأنهم، أي الإيرانيون، مستعدون للتعاون مع الأمريكان في الشرق الأوسط". كما وأكدت وثيقة بيكر - هاميلتون على دور النظام الايراني في دعم الاستقرار في العراق، ومعلوم بأن إيران قد شاركت في مؤتمر بغداد الامريكي عام 2007 لاخراج امريكا من ازمتها.


5. دعم إيران لنظام الأسد في سوريا، العميل لأمريكا، من خلال الدعم العسكري وحزب الله.

 

 

فهل بعد كل ذلك يُحتمل أن تسمح أمريكا لما يسمى "لإسرائيل" بالقيام بضرب إيران؟ هذا طبعا إذا تجرأت "إسرائيل" على القيام بذلك، حيث إن مساحة إيران تساوي 4 أضعاف مساحة العراق، وعدد سكان إيران يساوي عشر أضعاف سكان ما يسمى "إسرائيل"!

 

إن تصريحات الساسة الأمريكان واضحة كل الوضوح حول هذه المسألة. فاوباما بعد اجتماعه مع نتنياهو في مقابلة مع قناة التلفزيون "الاسرائيلي" في 8-7-2010 قال بانه لا يتصور ان "اسرائيل" ستقدم على ضرب منشات ايران دون اذن من امريكا. كما وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في 14/1/2012 أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الدفاع ليون بانيتا وغيرهم من كبار المسئولين الأمريكيين قد توجهوا مؤخرا بسلسلة من الخطابات السرية للقادة "الإسرائيليين" لتحذيرهم من العواقب الوخيمة للهجوم المحتمل، وإعلامهم بالموقف الأمريكي المتمسك بمنح المزيد من الوقت للعقوبات المفروضة على طهران كي تؤتي ثمارها ومن ثم تمتنع إيران عن تصنيع السلاح النووي.


وفي لقاء مع صحيفة ذي ديلي بيست، وجهت الصحيفة السؤالين التاليين لبريجينسكي: "كيف سيتعامل أوباما تجاه إصرار "إسرائيل" على ضرب إيران؟ فكان جوابه "إن عليهم أن يحلقوا من فوق أجوائنا في العراق، ولن نكتفي بمجرد القعود والمشاهدة". وكان السؤال التالي لبريجنسكي "ماذا لو حلقوا فعلا؟"، فكان جوابه: "يجب علينا أن نكون جادين في إنكار حقهم في ذلك، إنكارنا لن يكون بالقول فقط. إذا ما حلقوا فعلا، فسنجابههم، ونترك لهم الخيار إما العودة وإما الإستمرار".


وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة ذي رييال نيوز، علق بريجينسكي قائلا "من وجهة نظري، يجب علينا أن نكون صبورين بالنسبة لإيران. لا نريد رفع مستوى الصراع في المنطقة. لأن الصدام مع إيران سيؤثر على أفغانستان والعراق والخليج الفارسي وأسعار النفط... فما الفائدة لنا؟ ... إن ذلك سيكون دمارا لنا أكثر من "إسرائيل"، إن هذا سيؤثر علينا على المدى القريب، وسيؤثر على "إسرائيل" على المدى البعيد ... فروسيا لن تكون بجانبنا (إذا ما تم مجابهة إيران)، وأوروبا لا تحب أن تكون في مقدمة الصراع ، فسنكون لوحدنا ، وقد تكون النتيجة تعني خروجنا من المنطقة، وهذا سيؤثر على وجود "إسرائيل" في الخمس أو العشر سنوات القادمة... إن الإتحاد السوفيتيى في عهد ستالين كان يشكل لنا خطرا أكبر من إيران، ومع ذلك لم نهاجم الإتحاد السوفيتي ... فلماذا يجب أن نتصرف بغباء عندما يتعلق الأمر بإيران!".


وفي مجلة يورو إيشيا ريفيو، يقول الكاتب ديف ليندورف في مقالة له بتاريخ 8/2/2012 "لا يوجد بين أمريكا و"إسرائيل" إتفاقية تفرض على أمريكا مشاركة "إسرائيل" في حرب لها إذا ما قررت إسرائيل ذلك، كما لا يوجد إتفاقية تقول بأن على أمريكا حماية "إسرائيل" إذا ما هوجمت. يوجد إتفاقية كهذه مع تايوان، ولكن ليس مع "إسرائيل". إن مصالح أمريكا لا تتطابق بالضرورة مع مصالح "إسرائيل"، وخصوصا في ما يخص إيران".

 

إنه من الواضح بأن أوروبا هي من يحرض على توجيه ضربة عسكرية لإيران وتشجع كيان يهود على ذلك بل تزوده بما يلزم لهذا الأمر، وتقف من ورائه فيما يتعلق بذلك. ففرنسا قبل عامين تقريبا كانت قد أطلقت قمرا اصطناعيا فوق المنطقة للتجسس على إيران، وتزود كيان يهود بالصور والمعلومات عن المواقع الإيرانية العسكرية ومنشآتها ونشاطاتها النووية. وألمانيا زودت كيان يهود بأحدث الغواصات التي تحمل الصواريخ. وبريطانيا تنسق عسكريا مع كيان يهود في هذا الموضوع بشكل قوي، فقد نقلت وكالة (يو بي أي) الأمريكية في 2/11/2011 أن "رئيس الأركان البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز قام بزيارة سرية "لإسرائيل" استمرت ثلاثة أيام بينما توَّجه وزير الدفاع "الإسرائيلي" إيهود باراك إلى بريطانيا مساء 2/11/2011 في وقت يتزايد فيه الحديث عن شن هجوم عسكري "إسرائيلي" ضد إيران". ووسائل إعلام بريطانيا تعمل دائما على تصعيد الموقف وإثارة الرأي العام ضد إيران، فقد ذكرت صحيفة الغارديان في 3/11/2011 أن "القوات البريطانية تسارع في الإعداد لإمكانية القيام بعملية عسكرية ضد إيران وذلك بذريعة المخاوف من البرنامج النووي الإيراني"، وقالت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية - في سياق تقرير لها على موقعها الإلكتروني في 10/11/2011 إن مسئولين في الحكومة البريطانية أكدوا أن هناك تفاهما في الحكومة بأن "إسرائيل" ستحاول استهداف المنشآت النووية الإيرانية عاجلا وليس آجلا. كما وقد نقلت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" في أوائل شهر 11/2011 أن سلاح الجو الصهيوني قد أجرى مناورة جوية في إحدى قواعد حلف الناتو في إيطاليا، وأن هذه المناورة شملت كافة التشكيلات الجوية التي يمكن أن تشارك في هجوم مستقبلي بعيد المدى.

 

إن أمريكا تريد أن تثبت أن العقوبات كافية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي حتى تلجم يهود من تنفيذ تهديداتهم بهجوم عسكري على إيران. ولكن هل هذه العقوبات جادة؟


إن الناظر في واقع العقوبات على إيران يدرك عدم جدية هذه العقوبات. فقد ذكرت وكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية إن نسبة صادرات إيران إلى أمريكا شهدت نموا بلغ 45% عام 2009. وفي عام 2010 أعلن مكتب الإحصاء الأمريكي "ان صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران تضاعفت ثلاث مرات".
وقد جاء في نيويورك تايمز بتاريخ 3/7/2010 "أن الحكومة الأميركية أعطت 107 مليارات دولار خلال السنوات العشر الأخيرة لشركات أميركية وأجنبية تقوم بأعمال في إيران، كثير منها في قطاع الطاقة". وذكر التقرير أن أكثر من ثلثي الأموال الحكومية الأميركية ذهبت إلى شركات تزاول أنشطة في صناعة الطاقة الإيرانية، وهي مصدر رئيسي للدخل بالنسبة للحكومة الإيرانية وأحد مراكز القوة للحرس الثوري الإيراني الذي يشرف على برامج الصواريخ والبرنامج النووي لطهران. وقد ورفض الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فريد لاش التعليق على هذه المعلومات.

 

كما وكشف المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية آفي غوريش في كتابه الصادر في الولايات المتحدة تحت عنوان «المصارف القذرة»: قائلا "رغم أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على حكومة طهران تحظر إقامة أي علاقة مع مصارف إيرانية، إلا أن ما يزيد على 18 مصرفاً أميركياً تقيم علاقات مالية غير مباشرة مع الجمهورية الإسلامية".

 

يبدو من هذا كله بأن أمريكا لا تريد حسم المسألة الإيرانية لا بأعمال عسكرية ولا بعقوبات فاعلة. وهذا يؤكد الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع، وهي أن مشروع إيران لا يشكل خطرا على أمريكا، بل على العكس تماما، ينسجم مع إستراتيجية أمريكا في المنطقة، ويخدم أمريكا أكثر من "إسرائيل" نفسها.


كتبه أبو عيسى

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع