معالم الإيمان المستنير من أدلة العقيدة النقل ح16
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
إن من أدلة العقيدة النقل, وإن دليل العقيدة يجب أن يكون قطعي الثبوت وقطعي الدلالة, فإذا كان موضوع العقيدة غير واقع تحت الحس البشري، ولا يستطيع العقل أن يدرك واقعه أو يدرك آثاره الدالة عليه، كان الدليل عليه نقليا من القرآن الكريم أو السنة النبوية المتواترة.
أما قطعي الثبوت: فإنه لا يجوز أن نأخذ عقائدنا إلا عن طريق العقل أو عن طريق السمع اليقيني المقطوع بصحته، أي ما ثبت بالقرآن والحديث المتواتر، أما غير هذين الطريقين فلا يصح اعتقاده؛ لأنه يكون حينئذ ظنا، والعقائد لا تؤخذ إلا عن يقين, ولا يجوز أخذها بدليل ظني.
أما القرآن: فالقرآن الكريم ثبت ثبوتا قطعيا حينما أثبتنا عقلا أنه كلام الله تعالى، وأنه وصلنا كما أنزل مكتوبا بين دفتين ومحفوظا في الصدور عن طريق التواتر، والله تكفل بحفظه بقوله: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. (الحجر:9) فكل ما أخبرنا به الله تعالى في القرآن الكريم صحيح, ونؤمن به إيمانا يقينيا لا شك فيه؛ لأنه مما ثبت أصله بالعقل، وقد أخبرنا الله تعالى بأن ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحي من ربه عز وجل، قال تعالى: { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}. (النجم:4) فيجب الإيمان بكل ما جاء به والتسليم بصحته، قال تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. (الحشر: 7) وقال تعالى:{ وأطيعوا اللـه وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين}. (المائدة: 92) والتقليد في الاعتقاد ذمه الله تعالى فهو حرام، قال تعالى: { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللـه قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}. (البقرة: 170)
وأما السنة النبوية المتواترة: فنعني بها الحديث المتواتر, وهو ما رواه جمع من تابعي التابعين عن جمع من التابعين عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤمن تواطؤهم على الكذب. وعلى هذا فالأحاديث المتواترة التي وصلتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من الأدلة المقطوع بصحتها، و يجب أن نؤمن بها وما ورد فيها من المغيبات. والمغيبات التي وردت بدليل ظني، أي بخبر الآحاد لا يجوز اعتقادها؛ لأن الاعتقاد يجب أن يكون دليله قطعيا، والاعتقاد بدليل ظني ذمه الله تعالى وحرمه، فقد نعى القرآن على الكفار؛ لأنهم اتبعوا الظن في عقائدهم. قال تعالى: { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى * وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}. (النجم: 27-28) ومن هذه الغيبيات المعراج، فهذا أمر غيبي ورد في أحاديث صحيحة إلا أنها خبر آحاد، فلم تصل إلى حد التواتر الذي يفيد العلم اليقيني؛ لذلك يحرم اعتقاده. ومع ذلك فإننا نصدق بالأحاديث التي جاءت فيها الغيبيات مجرد تصديق، ويحرم التكذيب به؛ لأنها أحاديث صحيحة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم, ورواها عنه الصحابة الكرام رضي الله عنهم والتكذيب بها يعني التكذيب بجزء من الإسلام، وهذا حرام. ولهذا يجب التصديق بالمعراج إلا أنه تصديق غير جازم لا يصل إلى درجة الاعتقاد.
الفائدة من التفريق بين التصديق الجازم وغير الجازم:
يترتب على التفريق بين التصديق الجازم وغير الجازم أن من أنكر خبر الآحاد الذي أورد الغيبيات لا يكفر ولا يعد مرتدا، ولكنه يعد آثما فاسقا، وإذا استغفر وتاب فإن الله يتوب عليه. ومن أنكر الخبر الجازم كفر وخرج من الملة.
وأما قطعي الدلالة: أي أن دلالة ألفاظه لا تحتمل أكثر من معنى واحد. فالقرآن فيه آيات قطعية الدلالة، وأخرى ظنية الدلالة، فقول الله تعالى: { واللـه أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}. (النحل: 78) وقوله:{ ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. (المطففين: 3) كلها نصوص لا تحتمل أكثر من معنى واحد فهي قطعية الدلالة، لذا فهي تصلح لاعتقادها. وأما قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}. (البقرة: 228) وقوله: { وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هـذا صراط مستقيم }. (الزخرف: 61) ونحوهما من الآيات التي تحتمل أكثر من معنى، فإنها ظنية الدلالة، ولذا فسر بعض العلماء القرء بأنه الطهر، وآخرون فسروه بأنه الحيض. وأرجع بعض العلماء الضمير في (وإنه) إلى عيسى عليه السلام، وقيل: إن المقصود محمد صلى الله عليه وسلم. وظني الدلالة لا يصلح لاعتقاده؛ لأنه لا يفيد العلم اليقيني.
أيها المؤمنون:
نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.