معالم الإيمان المستنير الإيمان باليوم الآخر ح6
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :
جاء في الكتاب الكريم الكثير من الأدلة العقلية والبراهين الوجدانية على حتمية وثبوت اليوم الآخر ووجوبه, للرد على منكري البعث، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين :
أولا: برهان المماثلة :
ثانيا : برهان القدرة: وقد سبق الحديث عن البرهانين الأول والثاني في الحلقتين الماضيتين.
ثالثا : برهان الحكمة: وهذا هو موضوع حلقتنا لهذا اليوم.
إن الله تعالى حكيم في أفعاله، وكل ما يصدر منه جل وعلا في عالمي التكوين والتشريع يخضع لمبدأ الغاية الإلهية الحكيمة، فالمنظومة الكونية في نظامها العجيب تسير بكل جزئياتها وفق حركة هادفة، وتتجه صوب نهاية مرسومة بدقة وإحكام، وكذلك تخضع الأحكام التشريعية في وجودها وحركتها وتفاعلها إلى مبدأ الغاية الإلهية الحكيمة التي تتجافى عن العبث واللغو والباطل، قال تعالى: ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ). (المؤمنون 115) وقال تعالى: ( وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ). (ص 27) وقال تعالى:( أيحسب الانسان أن يترك سدى ). (القيامة 36).
ويمكن صياغة صورة هذا البرهان على شكل قياس، يتركب من مقدمتين ونتيجة: الأولى: إن الله حكيم. والثانية: إن الحكيم لا يفعل العبث، والنتيجة إذن فالله تعالى لا يفعل العبث، ولو لم يكن للإنسان معاد لكان خلقه عبثا، ومقتضى الحكمة الإلهية أن الله تعالى لا يفعل العبث، إذن فلا بد للإنسان من معاد يوم القيامة تتجلى فيه الحكمة الإلهية.
فلو كان الإنسان ينعدم بالموت، دون أن تكون هناك نشأة أخرى يعيش فيها بما له من سعادة أو شقاء، لكان خلقه في هذا العالم عبثا وباطلا، لأن الفعل لا يخرج عن العبثية إلا إذا ترتب عليه فائدة أو غاية عقلانية، وترتب الفائدة أو الغاية موقوف على وجود المعاد؛ لأنه إذا انعدم الإنسان بالموت، فذلك يعني أنه ليس ثمة غاية من خلقه غير هذه الحياة المحدودة التي تعج بالمتضادات ، والمحفوفة بأنواع المصائب والبلايا والفتن والفجائع، ويعني أيضا أن الله تعالى قد اقتصر في خلقه على الإيجاد ثم الإعدام، ثم الإيجاد ثم الإعدام، وهكذا دون أي هدف أو غاية في أفعاله سبحانه، وذلك ما لا نقبله للإنسان العاقل، فكيف نقبله للخالق، جلت حكمته، الذي لا يعتريه الباطل ولا يتجافى عن الحكمة؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وعليه فلا بد من وجود عالم آخر يتضح فيه هدف الخلقة، وذلك هو عالم البقاء الأبدي المليئ بالحيوية والنشاط, والمعبر عنه في القرآن, بلفظ"الحيوان", وهوعلى صيغة "فعلان" الدالة على معنى الحياة الحقيقية في الآخرة قال تعالى: ( وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ). (العنكبوت 64) ومن هنا أكدت الآيات القرآنية على أن وجود عالم الآخرة يقتضيه خلق العالم بحكمة، قال تعالى: ( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ). (الروم 8) وقال تعالى: ( وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لأعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لأ يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ).(الدخان 40) .
أيها المؤمنون :
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.