معالم الإيمان المستنير التوكل على الله ح5
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :
كان نبي الله إبراهيم عليه السلام وأم إسماعيل عليه السلام يتوكلان على الله حق توكله. قال تعالى في سورة الشعراء: ( واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ).
أيها المؤمنون :
وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة. نشأ إبراهيم عليه السلام بين قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام, وكان والده يصنعها ويتاجر بها. وقد اختار الله إبراهيم نبيا, فأخذ يدعو قومه إلى الإيمان بالله تعالى, وعبادته وحده, وترك عبادة الأصنام. قال إبراهيم عليه السلام يوما لأبيه وقومه: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد أصناما فنظل لها عاكفين. قال إبراهيم عليه السلام: هل يسمعونكم إذ تدعون؟ أو ينفعونكم أو يضرون؟ قالوا: بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.
أنكر عليهم إبراهيم عليه السلام هذه العبادة, وأخبرهم بأنه لا يعبد إلا الله رب العالمين, فهو الذي خلقه, وبيده حياته وموته, وهو يشفيه إذا مرض, ويطعمه ويسقيه إذا جاع وعطش. خرج قوم إبراهيم عليه السلام للاحتفال بعيد لهم بعيدا عن مكان الأصنام, وطلبوا إلى إبراهيم عليه السلام أن يخرج معهم, ويشاركهم عيدهم, ولكنه رفض ذلك, ثم ذهب إلى الأصنام وكسرها, ولم يترك منها غير صنم كبير وخرج. وعندما رجع قوم إبراهيم عليه السلام من مكان الاحتفال, وجدوا أصنامهم مكسرة فأحضروا إبراهيم عليه السلام وسألوه: قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال إبراهيم عليه السلام: اسألوهم إن كانوا ينطقون! فسكتوا قليلا ثم قالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون! قال إبراهيم عليه السلام: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم؟ أف لكم ولما تعبدون من دون الله. أفلا تعقلون؟ ولكن قوم إبراهيم عليه السلام أصروا على موقفهم, وقرروا أن يحرقوا إبراهيم عليه السلام, فأوقدوا نارا عظيمة, ورموه فيها.
أيها المؤمنون :
ونجى الله إبراهيم عليه السلام: روى البخاري عن ابن عباس قال: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار " حسبي الله ونعم الوكيل ". فأمر الله تعالى النار وقال: ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ). وبذلك نجى الله نبيه إبراهيم عليه السلام فخرج من النار سالما, واستمر عليه السلام يدعو قومه إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته وحده. وقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف في سورة الأنبياء فقال تعالى: ( قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون * قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ).
أيها المؤمنون :
كانت أم إسماعيل عليه السلام تتوكل على الله حق توكله. قال الله تعالى في سورة إبراهيم: ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم * ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ).
أيها المؤمنون :
وإليكم تفسير هذه الآيات الكريمة. رزق الله تعالى إبراهيم عليه السلام ولدين: الأول إسماعيل عليه السلام من زوجته السيدة هاجر, والثاني إسحق عليه السلام من زوجته السيدة سارة. وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يأخذ السيدة هاجر وولدها إسماعيل من فلسطين ويسكنها في مكة المكرمة. وكانت مكة يومئذ واديا لا ينبت فيه زرع, ولا يوجد فيه ماء, ولا يسكنه أحد. فاستجاب إبراهيم عليه السلام لأمر الله تعالى, وأخذ ولده الرضيع وأمه ووضعهما في ذلك الوادي, ودعا الله تعالى أن يعمر ذلك المكان بالناس, وأن يرزق أهله من الثمرات.
روى البخاري عن ابن عباس قال: " ثم جاء بها إبراهيم عليه السلام وبابنها إسماعيل عليه السلام وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر, وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال نعم. قالت: إذن لا يضيعنا... ". وفي رواية عند البخاري أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيها: " ... ثم رجع إبراهيم عليه السلام إلى أهله فاتبعته أم إسماعيل عليه السلام حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله. قال فرجعت... ". اللهم ارزقنا حسن التوكل عليك, واجعلنا نخشاك حتى نلقاك, آمين آمين آمين برحمتك يا رب العالمين!
أيها المؤمنون :
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.