معالم الإيمان المستنير الرزق بيد الله وحده المعلم الحادي والثلاثون
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
حين أسكن نبي الله إبراهيم عليه السلام ذريته بواد غير ذي زرع دعا ربه أن يرزق المؤمنين الذين يقيمون الصلاة. قال تعالى في سورة إبراهيم: ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ).
وقال الله تعالى في سورة البقرة : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ). فماذا كان جواب الله تعالى لإبراهيم عليه السلام؟ قال الله تعالى مجيبا في الآية نفسها: ( قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ). أي ومن كفر فإني أرزقه كذلك, فالله تعالى يرزق كل الخلق, وكل الناس: المؤمنين منهم والكافرين.
أيها المؤمنون:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا". ورد في حديث التوكل هذا قوله صلى الله عليه وسلم : "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله". فكيف يكون التوكل على الله حق توكله؟ للإجابة نقول: التوكل على الله فرض واجب على كل مسلم وجوبا مطلقا دون قيد أو شرط, بغض النظر عن الأسباب والمسببات, فالمسلم يتوكل على الله دائما في كل وقت وحين, وهو يتوكل عليه سبحانه في كل أمر من الأمور, وفي كل عمل من الأعمال.
أيها المؤمنون:
ويرد الآن سؤال هو: هل السعي في طلب الرزق واجب؟ وقبل الحديث عن وجوب السعي دعوني أذكركم بقصة ذلك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته بباب المسجد, فقال يا رسول الله: أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "اعقلها وتوكل". أي اربط ناقتك وتوكل على الله, فهو تعليم لنا وللأعرابي, وتفهيم لنا وله بأن نجمع بين الأخذ بالأسباب والأخذ بالتوكل, فالأخذ بالأسباب لا ينفي التوكل, والتوكل لا ينفي الأخذ بالأسباب.
للإجابة عن السؤال نقول: السعي في طلب الرزق أمر ضروري ومطلوب, أما لاحظتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: "تغدو... وتروح..." أليس هذا الغدو وهذا الرواح من الطير سعيا ؟ بلى, هذا وإن السعي في طلب الرزق قد يكون واجبا, وقد يكون مندوبا. فإذا كان رب الأسرة لا يملك قوته ولا قوت أهله كان السعي واجبا في حقه, وأما إذا كان رب الأسرة غنيا عنده قوته وقوت أهله, فالسعي في حقه مندوب وليس واجبا. والمندوب هو ما يثاب فاعله, ولا يأثم تاركه, بخلاف الواجب فتاركه آثم.
أيها المؤمنون:
والجانب العقائدي في موضوع الرزق هو أن يدرك المسلم بأن سعيه لطلب الرزق ليس سببا في جلب الرزق, بل هو حالة من حالاته, فالمسلم حين يسعى طالبا للرزق يتلبس بالحالة التي يحصل فيها جلب الرزق, وقد يحصل جلب الرزق, وقد لا يحصل, لأن الرزق بيد الله وحده, فالله وحده هو الرزاق ذو القوة المتين كما أخبر سبحانه عن نفسه حيث قال: ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ). (الذاريات 58) ولله در من قال:
عليك بتقوى الله إن كنت غافلا | يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري |
فكيف تخاف الفقر والله رازقك | فقد رزق الطير والدود في الحجر |
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة | لما أكل العصفور شيئا مع النسر |
تزول عن الدنيا وأنت لا تدري | إن جن عليك ليل فهل تعيش للفجر |
فكم من سليم مات من غير علة | وكم من سفيه عاش حينا من الدهر |
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا | وأكفانه في الغيب تنسج ولا يدري |
فمن عاش في الدنيا ألفا وألفين | لا بد من يوم يسير فيه إلى القبر |
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.