صراع ثورة الشام مع أمريكا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ثورة أذهلت الأمة بثباتها وارتباطها بربها عز وجل، وأرعبت العالم لصعوبة إمساكها كما أمسكوا بغيرها. ولسان حال أعداء الأمة يقول: كيف نجهضها؟ كيف نخذلها؟ كيف نلتف عليها؟ الثورة التي أظهرت أن ما قبلها لم يكن مثلها وأن ما بعدها لن يصل إليها إلا بصعوبة.
في عام 2008م وضع قدماً على قدم وأمسك بمسدس كان على خصره وأداره بحركات متتالية حول إصبعه ثم ردد ببرود: " نحن أقوياء وبيدنا كل شيء.. لا نحتاج لا لعفو عام ولا لتغيير في سياستنا.. لن يضيرنا شيء.. نحن الأقوى.. "، ثم ضج بضحكة عالية بين أتباعه الذين ضحكوا معه وكالوا المديح له على ما قاله.
ذاك كان ماهر الأسد، قائد مجموعة الشبيحة الكبرى في البلاد المسماة بالفرقة الرابعة أو بسرايا الدفاع سابقاً. ثم دارت الأيام، وأتت ثورات تونس ثم مصر فاهتز النظام خوفاً، ولكن هذا المغرور صرخ: " القتل.. من يخرج علينا من الشعب سنرد عليه برصاصة في الرأس.. "، وما كاد أهل ليبيا ينتفضون.. حتى صرخت أول مجموعة ثائرة في قلب دمشق أمام الجامع (الأموي) وسارت في سوق الحميدية (العثماني)، ثم تبعتها في اليوم التالي تظاهرة كبيرة غير مسبوقة يومها في الشام، امتدت من الجامع الأموي عبر سوق الحميدية إلى شارع النصر ووصلت إلى ساحة المرجة حاضنة مجسم مسجد طوب كابي مسجد الخلفاء العثماني الأسطنبولي. ثم كانت حادثة أولاد درعا، فنشر النظام شبيحته في الأموي وفي سوق الحميدية، وأرسل دباباته إلى درعا.
" أبي لم يصل للحكم برضى الشعب وإنما بانقلاب عسكري، ونحن لن نترك الحكم سواء رضي الشعب أم لم يرضَ.. لأن القوة بيدنا! "، صرخ بها ماهر مرة أخرى، فكان هذا الخيار هو الخيار الوحيد الذي اتخذه الشيطان وشقيقه، من موروث المجرم الأكبر أبيهم حافظ، الذي دمر البلاد والعباد قبل أن يصاب بسرطان الدم ويصارع الموت سنوات، حتى ارتاحت الدنيا منه كما ارتاحت من قبله من ابنه المجرم الآخر باسل، ولكن بقي مجرمان ورثتهما أرض الشام الذبيحة.
لم يبق من أمل في التغيير إلا بالتغيير الذاتي، وأتت الأجوبة حول جدل "هل نستطيع التغيير؟"، أتت من تونس ومصر، فاستفاق الشعب من غفلته وتمطّى المارد مستعداً للخروج من القمقم، وما كاد، حتى اهتزت الدنيا وقامت ولم تقعد. فمن أنت أيها الشعب الذي انتفض على جلاده؟ وما هو سرك؟ ألم يُكتب فيك أنك فقدت الإحساس بالحياة؟ ألم يتندر عليك الناس أنك تتجرع كأس الذل ولا تعترض؟ ألم يرووا عنك أنك فسدت حتى يئسوا من صحوتك؟
من يسير في شوارع البلدات الطيبة في بلاد الشام يشتم رائحة الخلفاء الباقين رغم أنهم ذهبوا، ويتلمس آثار العلماء رغماً عنه، مهما تفاداهم، فترى خالد بن الوليد مع ابنه عبد الرحمن، وتشعر بأبي عبيدة بن الجراح، وتصافح عمرو بن معديكرب وتجالس عمر بن عبدالعزيز، ثم تقف مع ابن تيمية والعز بن عبدالسلام لتستزيد من العلم، وتتابع ذلك مع ابن عساكر والنووي، أما صلاح الدين فتأخذك الرعشة وأنت تمر به، وكأن لسان حالنا يقول، قم أيها القائد العظيم، فنحن بحاجة لك.
عرّجنا على المزة في دمشق فوجدناها خرجت عن بكرة أبيها تصرخ بقوة لم نعهدها " قائدنا للأبد سيدنا محمد "، سألني أحد الشباب، ما سر حي المزة؟ ولماذا يخرج بقوة؟ قلت له: المزة تتبرك بحِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائد الشاب الذي كان يغبطه كل الصحابة على حب رسولهم له، كان فتى حين عقد له رسول الله لواء فتح الشام بيديه الشريفتين، هنيئاً لك يا شام هذا الشرف العظيم، أسامة بن زيد أتى وسكن هنا في المزة. أما اسمها فيُنسب إلى الحافظ المزّي رحمه الله.
كانت السماء تهتف معهم فتتساقط قطع الثلج الأبيض على الناس وهم يحملون شهداءهم على أكتافهم ويزغردون ثم تتحول إلى عرس ينادي فيه أهل الشهيد " صلوا على محمد.. وعريس الزين يتهنى.. و(يا عريس) يا شهيد نام وارتاح.. نحنا حنكمل كفاح.. ". قامت دمشق كلها مع أهل المزة فخرجت الميدان وكفر سوسة وتبعتها أخواتها ركن الدين والشيخ محيي الدين والصالحية.. وأحاطتها أحياء دمشق الكبرى من جوبر إلى زملكا والقابون وحرستا ودوما وعربين، ثم القدم والسيدة زينب، ثم تتمة غوطتها، التل وسقبا وحمورية، ومضايا والزبداني وعين الفيجة ووادي بردى، والمعضمية وداريا وقطنا.. فلم يبق مكان لم يخرج لإسقاط النظام.
كانت سابقة خطيرة، أن يوجه حاكمٌ الأسلحة الثقيلة لقصف شعبه وإبادته لأنه لا يريده، والأعجب من ذلك تصميم الأمة على التغيير الجذري. تغيير فيه من الإصرار ما لم تعهده البشرية. إلا أن أهل الشام شعروا بأن المؤامرة تتحلق حولهم، فتآمر حكام تركيا والأردن والعراق ولبنان مع عدوهم اللدود آل الأسد، وازدات حدة المؤامرة حتى أصبحت الثورة ليست ضد بشار ونظامه فقط، بل ضد إيران وروسيا، وأخيراً تمت المواجهة مع العدو الأكبر : أمريكا.
لقد وعت الثورة تمام الوعي أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أتت بالأسد، الوالد والولد، هي صاحبة الشأن، حتى الآن، في أمر بشار، وهي رغم أنها قد اتخذت قرارها بإزاحته، لكن قرارها هذا لا يتم إلا بجزء ثانٍ وهو أن تنصب البديل. وما العمل إن كان الشعب رافضاً لبديلها أياً كان هذا البديل منها؟ لهذا عاقبت الشعب بالقتل والتدمير على يد أداتها من آل الأسد. وما زال القتل مستمراً حتى تركع الثورة.. أو تركع أمريكا!!
هشام البابا