دروس بليغة نتعلمها من أمة النمل
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين و بعد :
أيها المؤمنون :
يذكر ابن القيم - رحمه الله - في كتاب له اسمه "مفتاح دار السعادة" يقول فيه: إن رجلا كان في سفر، وفي الطريق مر على جبل، فجلس على صخرة في أعلاه تحت شجرة يستظل بظلها، وأخذ يقلب بصره هنا وهناك، ينظر إلى مخلوقات الله ويتعجب من بديع صنعه، وبينما هو مستظل إذا بمجموعة وقوافل من النمل تمشي، ولفت نظره نملة تقدم من بعيد، كانت هذه النملة تجوب المكان من حوله بحثا عن شيء يكون غذاء لأمة النمل كي يدخرنه لأيامهن المقبلة، وأخذت هذه النملة تبحث وتبحث لا تكل ولا تـمل!
وأثناء بحثها عثرت على بقايا جرادة، وبالتحديد عثرت على فخذ جرادة - وهي صيد ثمين بالنسبة لأمة النمل- فأرادت أن تحمله ليكون لهم غذاء، يمكن أن يعيش عليه النمل شهرا، وأخذت هذه النملة تحاول أن تحمل فخذ الجرادة إلى مكان تخزين الطعام المطلوب منها في عالم النمل وقوانينه أن تضعها فيه، ولـمـا عجزت عن حملها أخذت تسحب وتسحب تريد جرها إلى بيت النمل!
أيها المؤمنون :
هذه النملة مجتهدة ومجدة في عملها وفيما كلفت به، فظلت تحاول وتحاول، وبعد أن عجزت عن حملها أو جرها ذهبت إلى بيت النمل، وأمسكت لها ست نملات من جماعتها، فأخبرتهن فجئن إليها. وسرعان ما عادت ومعها مجموعة من النمل! ولـمـا رأى الرجل النملات الست علم أنها استدعتهن لمساعدتها في حمل ما صعب عليها حمله، وأراد التسلية قليلا، فقام وحمل فخذ الجرادة وأخفاها، وفي المنطقة نفسها بحثت النملات فلم تجد فخذ الجرادة؛ فاعتذرت منهن وودعتهن فرجعن، وعدن أدراجهن إلى بيت النمل! وهذه النملة صاحبة عزيمة قوية، ولديها إصرار عجيب على تحقيق هدفها، فما هي إلا لحظات قليلة حتى عادت تلك النملة وحدها، فلما رآها الرجل قادمة وضع فخذ الجرادة في مكانها، فلـمـا جاءت ورأتها أخذت تدور حولها وتنظر، ثم حاولت جرها من جديد، حاولت ثم حاولت، وبقيت تحاول حتى عجزت، ورجعت بسرعة إلى بيت النمل مرة أخرى؛ لتستدعي أبناء قبيلتها من النمل كي يساعدنها على حملها بعد أن عثرت عليها ثانية! فقالت لهن: لقد وجدتها ارجعن! فأبين وقلن لها: أنت تكذبين علينا! وتضيعين وقتنا وجهودنا هباء... فلا زالت تلك النملة تلح عليهن حتى اقتنعن فرجعن معها.
أيها المؤمنون :
جاءت النملات الست للمرة الثانية مع هذه النملة بطلة قصتنا، وعندما رآهن ذلك الرجل النكد ضحك كثيرا، وحمل فخذ الجرادة وأخفاها عنهن. بحثن هنا وهناك ... بحثن بكل إخلاص ... وبحثت تلك النملة بكل ما لها من همة ...أخذت تدور حائرة، تنظر يمينا ويسارا لعلها أن ترى شيئا يثبت صدقها، ولكن لا شيء يظهر لها؛ فالرجل قد أخفى فخذ الجرادة عن أنظارهن! فاعتذرت منهن، وقالت: حقا إني وجدتها، ولكن لا أدري أين ذهبت! فسامحنها في المرة الثانية ورجعن! وتكرر هذا المشهد للمرة الثالثة؛ لتكون النهاية المرعبة؛ وليسدل الستار عن مشهد الختام الحزين! حيث دفع الإصرار النملة على تحقيق الهدف إلى العودة للبحث عن فخذ الجرادة، ولـمـا رجعت وضعها مرة ثالثة، فلـمـا رأتها جاءت مسرعة جدا ودعت النملات الست، فأبين العودة معها وقلن لها: لقد كذبت علينا في المرتين السابقتين! وضيعت وقتنا وجهودنا هباء، فلا زالت تلك النملة تلح عليهن حتى اقتنعن فرجعن معها، وقلن لها: لئن كذبت علينا هذه المرة ليكونن لنا معك شأن آخر!
أيها المؤمنون :
ولكن ذلك الرجل النكد وقاسي القلب، لم يرحم تلك النملة الضعيفة والمسكينة، بل قام فحمل فخذ الجرادة وأخفاها، فلـمـا أتت جماعة النمل في المرة الثالثة بحثن عنها فلم يجدنها، فمـا الذي حصل؟ أحطن وأمسكن بها مباشرة، وانتهى الأمر مقبوضا عليها! وتم التشهير بها وفضحها: هذه كذابة! هذه تقدم معلومات غير صحيحة وغير دقيقة، إنها تكذب على أمة النمل! أخذتها مجموعة النمل حتى أتت إلى الخط العام الذي يسرن عليه، فوقفت نملة منهن على الخط، وأعلنت حالة تنفيذ حكم واحد على هذه الكذابة، وقام النمل كله وتجمع كل من في أول الطريق، وكل من في آخر الطريق، وعملن دائرة حولها، وأخذنها ووضعنها في الوسط ثم انقضضن عليها من كل جانب وقطعنها إربا إربا، والرجل ينظر إليهن وهو في دهشة كبيرة وأرعبه ما حدث قتلنها، أجل قتلن تلك النملة المسكينة، قطعنها أمامه، نعم قتلنها أمامه! لقد قتلت هذه النملة بسببه، قتلنها لسببين اثنين: لأنها أضاعت وقتهن وجهودهن هباء ودون فائدة، ولأنهن ظنن أنها كذبت عليهن، فما كان من هذا الرجل بعد ذلك إلا أن وضع فخذ تلك الجرادة أمامهن، ولـمـا رأينه أمسكن به وحملنه متعاونات مع بعضهن إلى بيت النمل، وندمن على قتلهن تلك النملة المسكينة.
أيها المؤمنون :
ولكن أين يفر ذلك الرجل العابث من عقاب الله؟! لقد عثرت به قدمه، وسال منها دمه، وهو ينزل عن الجبل بعد أن فعل فعلته الشنيعة هذه، وأحس كأن الله قد عاقبه انتقاما وثأرا لهذه النملة الكسيفة الحزينة! سبحان الله! حتى أمة النمل ترى الكذب نقيصة! بل كبيرة يعاقب عليها صاحبها بالموت! حتى النمل يعد الكذب جريمة يعاقب عليها لإثمه وشدة جرمه! فأين من يعتبر؟! فكيف إن كان الكذب يحمل إساءة أو جريمة تقوم من ورائها الفتن والحروب وخراب البيوت؟! سبحان الله! الذي جعل لكل مخلوقاته قوانين وأسسا تحاكم أفرادها بناء عليها! هذا وهي لا تملك العقل المفكر فأين أصحاب العقول ليفكروا؟! حقا والله أين أصحاب العقول والقلوب ليعتبروا ؟! وهل ما زال بمقدورنا أن نكذب بعد أن سمعنا حكاية النمل هذه ؟! وما هي الدروس التي تعلمناها؟
أيها المؤمنون :
أترك لكم الإجابة عن هذه التساؤلات ... وأجيب عن التساؤل الأخير فأقول: نتعلم من هذه الحكاية القصيرة عدة دروس : أولا: نتعلم الجد والاجتهاد! ثانيا: نتعلم عدم الأنانية فيعمل الفرد لنفسه فقط، بل يعمل من أجل مجتمعه أيضا! وثالثا: نتعلم العزم والإصرار على تحقيق الهدف الذي نصبو إليه! ورابعا: نتعلم عدم إضاعة الوقت والجهد هباء ودون فائدة! وخامسا: نتعلم عدم الكذب! وسادسا: نتعلم التعاون على قضاء حوائجنا! وسابعا: نتعلم عدم التسرع في إصدار الأحكام على الناس!. وثامنا: نتعلم أن يرحم القوي منا الضعيف! وتاسعا: نتعلم أن الله لكل ظالم بالمرصاد! وعاشرا: نتعلم أنه لا بد للمحسن من الثواب ولا بد للمسيء من العقاب! وكل هذه الدروس مـمـا أرشدنا إليها ديننا الحنيف دين الإسلام العظيم!
أيها المؤمنون :
وفي ختام القول نسأل الله تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه - الأستاذ محمد أحمد النادي