مرحلة استلام الحكم واستحقاقاتها الجزء الثالث
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
فالفكرة إذاً أننا قد نكون على موعد بدولة خلافة إسلامية في الشام، فالمبشرات قوية، وهذا ما يستلزم منا الاستعداد للمرحلة القادمة والتهيؤ لها، أما كيف يكون ذلك:
1- لا بد أن نتذكر أننا في تبنينا لطريقة استئناف الحياة الإسلامية، الطريقة الشرعية، قد قلنا بأنّ المرحلة الثالثة من مراحل إقامة الدولة واستئناف الحياة الإسلامية هي مرحلة استلام الحكم، فمشروعنا لا ينتهي بمجرد إعلان الخلافة، وإن لم نحسن المرحلة الثالثة فهذا يعني الفشل في الطريقة كلها، فمرحلة استلام الحكم هي إحدى مراحل إقامة الخلافة مثلها مثل المرحلة الأولى والثانية، فهي لا تقل أهمية ولا صعوبة عن تلك المرحلتين، بل ربما تفوق المرحلتين في المشقة والتعب، وأحب أن أذكر هنا بأنّ ما جاء في قوله تعالى: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} الأحزاب 10 إنما جاء في وصف حال الصحابة والمسلمين فيما بعد استلام الحكم، فالتضحيات بعد إقامة الخلافة مطلوبة، والاستعداد للاستئساد والإقدام غاية في الأهمية في المرحلة القادمة، فالخلافة عندما تقوم يجب أن يفهم الغرب بأنه لن يهدمها أو يفشلها بإذن الله مهما بذل من أموال ومهما خاض من حروب.
2- سيكون من الواجب علينا التخلص من الوسط السياسي العفن ليحل محله الوسط السياسي المخلص النقي، وقادة هذا الوسط وصانعوه ورجاله هم شباب الحزب وأمثالهم من الرجال الذين باعوا أنفسهم لله، فالحزب وطوال المرحلتين الأولى والثانية وهو يعد رجال دولة أكفاء وأتقياء وأنقياء وسياسيين ومفكرين ومخلصين، وهم من يجب أن يتصدروا للمرحلة الثالثة ويصنعوها على عين بصيرة، وهذا يكون بالتصدر للمواقف بالجرأة والتضحية والشجاعة، في الشارع وفي الحي وفي الإعلام وفي كل مناحي الحياة ومنافذها. فرجال الحزب وأمثالهم يصبحون هم الوسط السياسي البديل إذا ما أصبح الناس ينظرون يمنة حيث رعاية مصالح الناس فيرون شباب الحزب، ويسرة حيث التوعية الجماهيرية وصناعة الرأي العام فيرون شباب الحزب، ومن أمامهم حيث المواقف التي تحتاج إلى إقدام وشجاعة فيجدون شباب الحزب، ومن خلفهم حيث الحماية والإيثار والسهر على مصالح الناس فيجدون أيضا شباب الحزب، فالناس يجب أن ترى شباب الحزب هم القادة الحقيقيين والفعليين وليس فقط هم من استلم مفاتيح الحكم وكأنها مناصب ودرجات. فشباب الحزب يجب أن يكونوا قدوة للناس في الإيثار والتضحية والوعي والإخلاص، حتى يدرك الناس عفونة الوسط السياسي القديم والفرق الشاسع بين الثرى والثريا، فيسهل انقياد الناس حينها للحزب وتسلمه أمورهم بكل سرور وثقة.
3- كما كان تثقيف الناس ورفع درجة وعيهم أمرا محوريا وجوهريا فيما قبل استلام الحكم، وكذلك الأمر فيما بعد استلام الحكم، فهذه مهمة الحزب وشبابه، وهي أن يسهر على توعية الناس ورفع درجة وعيهم على إسلامهم وعلى الشؤون السياسية، داخلية وخارجية، ليصبح لدى الناس المقاييس والقناعات والمفاهيم الموجودة لدى شباب الحزب، وبما أنّ هذا الأمر في ظل الدولة سيكون متاحا فأمره أسهل من ذي قبل ولكنه متعب ويحتاج إلى جهد مضاعف، وهو يلزم إعداد النفس من الآن بالمطالعة والدراسة والتثقف، فربما لا نملك الوقت حينها، ليكون كل واحد منا جاهزا ليكون مشعل نور وهداية لكل من حوله.
4- يجب أن يتحلى شباب الحزب بأعلى درجات الحكمة والانضباط في التعامل مع الناس عند استلام الحكم، فخطأ الشاب يُحسب على أنه خطأ للدولة، وكما أنّ الناس الآن تنظر إلى شباب الحزب وكأنهم ثوب أبيض يبرز عليه أقل اتساخ، وكذلك شباب الحزب ورجال الدولة عند إقامتها، فلا يصح أن يتعامل الشباب مع الناس بتندر وفوقية، ولا على نحو تصفية الحسابات والعتاب، بل بكل تواضع ورحمة، وباستحضار مقولة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمن لم يؤذ الدعوة ولم يكن لها خصما: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فشباب الحزب سيكونون وجه الدولة وممثليها، والدولة تحتاج إلى الأخذ بيد رعاياها وتأليف قلوبهم خاصة وأنها قد تمر بأيام صعاب في بداياتها، فتثبت القلوب والأخذ بيد الناس هي مسؤولية شباب الحزب وأمثالهم من رجال الأمة، ولن نتعامل مع الناس بحز الرقاب وضرب السياط، بل باللين والرفق والحرص.
5- بخصوص شباب الحزب ممن يكونون عند إقامة الخلافة خارج حدود الدولة، فهؤلاء يجب أن يكون حاضرا في ذهنهم أنّ أهميتهم حيث هم قد تكون أكثر من أهميتهم فيما لو كانوا داخل الدولة، وهذا يعتمد على مكان وجودهم والظروف المحيطة، فكما أنّ لشباب الحزب ممن يكونون داخل الدولة أهمية في صناعة الرأي العام وتهيئة الناس وقيادة الدولة، فكذلك من يكون خارج الدولة، خاصة في الدول التي تكون قريبة من دولة الخلافة أو من الدول التي يعمل الحزب على تسلم الحكم فيها، لأنها ستكون الخطوة التالية لدولة الخلافة، في توحيد المسلمين وتقوية الدولة قبل التوجه صوب الغرب لجهاده وفتح البلاد، فهي مرحلة الإعداد، ولا يخفى عليكم مدى أهمية الشباب في الدول التي تريد الخلافة ضمها، في تلك المهمة من حشد الرأي العام واستنفار الجهود لمساعدة الدولة في تحقيق غايتها، ولكن هذا لا يعني أنّ الدولة قد لا تحتاج إلى رفدها بشباب من خارجها، ولكن الفكرة أنه ليس بالضرورة أن يتحول كل شباب الحزب إلى دولة الخلافة، فمن أحكام الهجرة أنّ الهجرة لا تجب على من يستطيع أن يعمل على تحويل الدار التي هو فيها إلى دار إسلام، بل قد يكون البقاء في دار الكفر من أجل تحويلها إلى دار إسلام واجبا إن لم يكن هناك بديل. وهذه الأمور يقدرها الخليفة في حينه.
والخلاصة، أننا قد نكون نمر باللحظات الأخيرة ما قبل استلام الحكم، وهذه المرحلة لها استحقاقاتها وتحتاج إلى رجالها، فلنكن على قدر المهمة ولنهيئ أنفسنا على بذل الغالي والنفيس لإنجاح تلك المرحلة، ولنعد أنفسنا بما يلزم من فكر ووعي وثقافة وسياسة وتقوى قبل أن يأتي وقت العمل ولا يبقى وقت للعلم، فمن فاته شيء فليدركه، ومن لم يستعد ويستوعب استحقاقات المرحلة القادمة فليعد حساباته ليتهيأ جيدا للمرحلة القادمة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمكن لنا بالشام حيث الأبطال والرجال ويجعل يوم النصر قريبا وعاجلا بإذن الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح / عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين