الجمعة، 04 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

سقوط الأندلس دروس وعبر ح8

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله مالك الملك, وخالق الخلق, يؤتي الملك من يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء, بيده الخير, وهو على كل شيء قدير. أما بعد:


أيها الأحبة:

 

ومن الدروس المشرفة موقف ابن عباد حين جاءه يهودي، فأغلظ له القول، وسب المسلمين، فقام ابن عباد وقتله، ومن مواقف ابن عباد الشجاعة أنه عندما أراد النصارى حصار إشبيلية، وكان واليا عليها جاء واستنجد بابن تاشفين من المغرب، فجاءه بعض ملوك الطوائف، وقالوا: يا ابن عباد, كيف تستنجد بابن تاشفين؟! قال: وماذا في ذلك؟ قالوا: إنه إذا جاء ونصرك، سيحتل ملكك. قال ما أفعل؟ قالوا: لو استنجدت بأحد ملوك النصارى، كما يفعلون هم لقتال هذا الملك. قال لهم كلمة خالدة تكتب بماء الذهب: "رعي الجمال خير من رعي الخنازير" لأن أكون راعيا للجمال عند ابن تاشفين، وهو مسلم أحسن من النهاية التي ستكون، سأكون راعيا للخنازير عند هذا النصراني الذي سيأتي ويساعدني."رعي الجمال خير من رعي الخنازير" رحمه الله، وفعلا استنجد بابن تاشفين، ونصره نصرا مؤزرا مكرما.


رابعا:

 

ونقف مع الدرس الرابع وهو أهمية التعاون بين المسلمين, وخير مثال على ذلك دور أهل المغرب في مساعدة أهل الأندلس، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. أقف هنا أمام درس فيه عبرة وعظة، من خلال دراستنا لواقع الأندلس، وجدت أن العوامل الداخلية أشد تأثيرا من العوامل الخارجية. كيف ذلك؟ الناس عندهم طبع .. فهم دائما يلقون اللوم على أعدائهم، عندما ذكرت أسباب سقوط الأندلس، قصدت وتعمدت أن أبدأ بالأسباب التي جاءت من المسلمين أنفسهم، وأخرت موضوع النصارى وعداوة النصارى؛ لأنه لولا أن المسلمين مكنوا للنصارى لما استطاع النصارى أن يفعلوا شيئا. من الملاحظ سرعة سقوط الأندلس، سقطت الأندلس في بعض الفترات بسرعة، تصوروا أنه في ثلاثين سنة فقط، من عام سبعة وعشرين وستمائة إلى خمسة وخمسين وستمائة هجرية سقط معظم قواعد الأندلس، في قرابة ثلاثين سنة سقطت معظم قواعد الأندلس بسبب ما ذكرته لكم. هذه البلاد الإسلامية الضخمة تحولت إلى بلاد نصرانية خلال سنوات معدودة، وفي هذا عبرة وعظة وذكرى، إذا لا يغتر المسلمون على الحال، التي هم عليها، قد يقول بعض المسلمين: نحن في حالة والحمد لله من الصعب أن تتغير! وأقول لهم: لا, فهذا القول غير صحيح؛ لأنه كما أسلفت وقلت في المقدمة: إذا وجدت الأسباب، ووجدت قبلها ومعها وبعدها إرادة الله تعالى كانت النتائج وتحققت في الواقع فعلا!


أيها الأحبة:

 

ومن الصور المحزنة، التي أذكرها للعبرة مما أسقط الأندلس، كما قلنا لكم أبو عبد الله الزغل، أحد ملوك بني الأحمر من آخرهم، أصاب النصارى في معركة وقتل منهم مقتلة عظيمة، وهي من المعارك القليلة التي نجح فيها فقام ابن أخيه ملك غرناطة، وبعث يعتذر إلى ملك النصارى مما فعل عمه. ومن الصور المحزنة أيضا أنه لما سقطت مالقة، وحول مسجدها الأعظم إلى كنيسة, أرسل أبو عبد الله الصغير، وهو صغير فعلا، لأنه هو الذي سلم غرناطة آخر ممالك الأندلس، أقول: أرسل إلى ملك النصارى يهنئه بذلك، يهنئه بتحويل المسجد إلى كنيسة، لماذا؟ لعداوة شخصية بينه وبين ملك مالقة سابقا، ففرح أنها سقطت مالقة، وحول مسجدها إلى كنيسة، فأرسل يهنئه، وسبحان الله! بعد سنوات معدودة، يسقط ابن الأحمر عبد الله الصغير، وتكون نهايته المأساة التي نشير إليها الآن. طرد من الأندلس، وجلس في المغرب ذليلا مهانا، ثم بقيت ذريته هناك! يقول المقري: "وعهدي بذريته بفاس يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين، ويعدون من جملة الشحاذين والمتسولين خلف الأبواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نهاية محزنة لابن الأحمر؛ لأنه عصى الله سبحانه وتعالى وسلم غرناطة. لقد صار أولاده إلى فترة قريبة، يعدون من جملة الشحاذين والمساكين في المغرب، يا لها من عبرة وعظة! ولكن أين المعتبر, وأين المتعظ؟


خامسا:

 

ونقف مع الدرس الخامس أوجهه للأخوات الكريمات خاصة، ولكم جميعا, وهو دور النساء في الأندلس، أذكر لكم دور أم عبد الله الصغير، الذي سلم الأندلس، كانت امرأة شجاعة, وكانت لها مواقف فيها بطولة عجيبة، ولا يتسع المقام لذكر بطولتها، وأنقل لكم قول أحد المؤرخين عنها, يقول: "وتحتل شخصية عائشة الحرة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة، وليس ثمة في تاريخ تلك الفترة شخصية تثير من الإعجاب والاحترام, ومن الأسى والشجن قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة من شجاعة وإقدام". لقد بذلت هذه المرأة محاولات جبارة, وحاولت أن تبذل المستحيل للمحافظة على الأندلس, وقامت بأدوار قوية لا يستطيع أكابر الرجال أن يقوم بها. عندما سلم ابنها أبو عبد الله الصغير الأندلس وجلس على صخرة يبكي، أتدرون ماذا قالت له؟ قالت:


ابك مثل النساء ملكا مضاعا            لم تحافظ عليه مثل الرجال


ولذلك صور الشاعر كلماتها بهذه الأبيات على لسان عائشة الحرة، أم عبد الله الصغير، تخاطب ابنها بعد تسليم الأندلس فتقول:

 

تذكر الله باكيا هل يرد الدمع مجدا ثوى وعــارا أقاما؟
هدني فـوق خطبنا أنك ابني يا لأم تسقى العـذاب تؤاما!
لم تصن كالرجال ملكا فأمسى ركنه اندك، فابكه كالأيامى!!

 

 

أيها الأحبة:

 

أبيات محزنة، تصور هذه الحالة تصويرا دقيقا، إن للنساء دور، وأي دور! إنني أخاطب الأمهات والبنات والأخوات، أخاطب الزوجات، إننا ننتظر منهن الشيء الكثير في مجتمعنا، إنني والله أخشى وأرى أن يأتينا عن طريق النساء شر كثير، كما حذر الرسول أمته، من أي شيء يخاف على أمته؟ يخاف على أمته من الدنيا، ومن فتنة النساء! وها نحن نسمع أحيانا من المصائب والمشكلات، سببها الرجال والنساء! الله الله يا أمهات المسلمين!! الله الله في أبنائنا!! الله الله في رجالنا!! الله الله في أمتنا!! احمين البيوت، أخرجن لنا الرجال، ربين لنا الأبطال كأمهات المؤمنين وكنساء الصحابة وسلف المؤمنين، إننا ننتظر من المرأة شيئا كثيرا!! الله الله أن تنخدع نساؤنا بمحاولات الأعداء وبأساليبهم وبإغرائهم وبإغوائهم!! وقد قرأتم في حلقات سابقة عن حال النساء في الأندلس، كيف وصلت من الشهوات والمشي في الأسواق، ولبس الذهب والتفاخر، فسقطت الأندلس, يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:


الأم مدرسة إذا أعددتها          أعددت شعبا طيب الأعراق


إنني آمل من كل أم، ومن كل أخت أن تكون كما أرادها الله داعية في بيتها، وفي مجتمعها مصلحة لزوجها ولإخوانها ولأبيها ولأبنائها، هذا أملنا فيها بإذن الله، لتتحطم مكائد الأعداء على هذه الصخرة الفذة القوية والحصن المنيع!!


سادسا:

 

نقف مع الدرس السادس ونختم به هذه الدروس وهذه العبر بقولنا: شمس تغرب وشمس تشرق: إن النصارى كما أسلفت نقضوا المعاهدة، وعندما سلم ابن الأحمر الأندلس عقدت معاهدة فيها سبعة وستون شرطا، كلها في صالح المسلمين، وصدق عليها البابا، وأقسم عليها ملك النصارى بأغلظ الأيمان، أنه سيوفي بها، وبعد سبع سنوات فقط بدأ بنقض المعاهدة، وقتل المسلمين، وحول المساجد إلى كنائس، وأتيت النساء في الطرقات, وقتل الأطفال وشردوا، وهذا جزاء الركون إلى أعداء الله, والوثوق بهم!! وفي الوقت الذي سقطت فيه الأندلس، وسلمت فيه على صحفة من ذهب، كان محمد الفاتح قد فتح القسطنطينية، وبزغ نور الإسلام في تركيا، وفي الوقت الذي تصورت أوروبا أنها محت الإسلام من الغرب، جاءها الإسلام من الشرق عن طريق تركيا, وهذا دين الله سبحانه وتعالى. فالأمل الأمل!! هذا دين الله، ولكن أين العاملون؟ في الوقت الذي تصور أعداء الله، أنهم قضوا على الجهاد في فلسطين يخرج ويبزغ فجر الجهاد في سبيل الله في أكثر من مكان في أفغانستان، وفي العراق, وها نحن نرى معالم الجهاد في أرض الشام عقر دار الإسلام، والحمد لله كلها آمال مشرقة مفرحة, وكلها تبشر بالخير!!


أيها الأحباب:

 

هذه دروس من دروس الأندلس سقناها لكم علينا أن نعيها جيدا، والله حافظ دينه لا ريب ولا شك في ذلك. يقول سبحانه: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}. ويقول: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}. أجل إن الله حافظ دينه, وإن الله ناصر دينه حتما, رغم تآمر المتآمرين, وكيد الكائدين, ومكر الماكرين! يقول سبحانه: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. ولكن أين نحن المسلمين من نصرة ديننا؟ وهو الدين الذي أنزله لنا الله ربنا؛ لنسعد به في حياتنا الدنيا، وننال به أعلى الدرجات في جنات الخلد التي أعدها لعباده الصالحين, ولننجو به من عذاب الجحيم! فالنجاة النجاة, وإلا فإن الله سيستبدلنا إن نحن تولينا وأعرضنا عن منهجه. قال تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}.


أيها الأحبة: نشكركم على حسن استماعكم, بهذا أكون قد أنهيت حديثي معكم حول موضوع "سقوط الأندلس دروس وعبر" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


محمد احمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع