- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة رؤية الهلال واحدة لجميع الأمة
(مترجم)
أما رؤية الهلال فهي محل خلاف، فذهب علماء الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن رؤية واحدة في أي أرض أو أي منطقة لغروب الشمس (مَطْلَع) تكفي لجميع الأقطار، وخالف بعض علماء الشافعية هذا الرأي في اختلاف المطالِع، ولكن ليس كل علماء الشافعية يخالفونهم، تقبل الله من جميع العلماء ما قالوا.
ومن الجدير بالذكر أن أحداً من العلماء القدماء لم يعتبر الحدود القومية أو القبلية أو العنصرية أقاليم في هذه المسألة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة لا تفرقها أعراق ولا لغات، ولا تبالي بالحدود الاستعمارية التي فرقتنا وأضعفتنا أمام أعدائنا.
1- أما دخول شهر رمضان ويوم العيد، أول شوال، فقد قال رسول الله ﷺ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَان ثَلَاثِينَ». رواه البخاري ومسلم
إن تحقيق المناط هو الأساس لمعرفة الحكم الشرعي في أي مسألة، فحقيقة بداية أي شهر هجري تكون بعد ولادة الهلال، وهي السبب الشرعي المؤدي إلى العبادات، كالصيام والحج وزكاة الفطر والعيد وغير ذلك. والحقيقة أن الهلال له ولادة واحدة، كحدث واحد، للعالم أجمع، ثم نسعى إلى رؤيتها بالبصر.
وفي اللغة فإن الحديث الشريف يدل على جميع المسلمين أينما كانوا، والأمر (صوموا) عام يشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض، و(لرؤيته) عام أيضاً، فهي كل رؤية وليست رؤية قوم معينين في بلد معين.
جاء في شرح رياض الصالحين (يعني أنه يجب على المسلمين أن يصوموا إذا رأوا الهلال، هلال رمضان، فإن لم يروه فلا صيام عليهم).
2- وجاء في "الفقه على المذاهب الأربعة" (إذا ثبتت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة).
جاء في "الموسوعة الفقهية" (ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول عند الشافعية، إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان، فإذا ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد، لزم الصوم جميع المسلمين في جميع البلاد، وذلك لقوله ﷺ، صوموا لرؤيته وهو خطاب للأمة كافة. والأصح عند الشافعية اعتبار اختلاف المطالع).
3- أما الشافعية فقد جاء في "الفقه على المذاهب الأربعة" (أما الشافعية فقالوا، إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا الثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخاً تحديداً، أما أهل الجهة البعيدة فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع). وأربعة وعشرون فرسخاً تساوي 120 كم.
4- وهناك من الشافعية من يوافق الثلاثة الأحناف والمالكية والحنابلة. قال الإمام النووي في "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (وقال بعض أصحابنا تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض).
وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (الحجة في حديث كريب، هو قول ابن عباس رضي الله عنهما، هكذا أمرنا رسول الله ﷺ فهو لا يريد بقوله، "هكذا أمرنا رسول الله ﷺ" أن عنده عن الرسول ﷺ حديثاً خاصاً بهذه المسألة يدل على عدم الصيام، بل مراده بذلك الأحاديث الآمرة بالصيام لرؤية الهلال، كما في الحديث الذي أخرجه الشيخان لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُمّ عليكم فاقدروا له، وقد سبق أن أشرت إلى أن هذا الحديث لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فهذا اجتهاد صحابي، إذا كان هذا اجتهاداً)
5- من المحزن أن يصبح موضوع رؤية الهلال موضوعاً للجدل، وهو من أعراض ضعف فهم ديننا، والذي هو بدوره نتيجة لغياب الخلافة التي أسست نظاماً تعليمياً إسلامياً قوياً منذ قرون.
لقد أصبح هذا الموضوع موضوعاً للجدل من الحكام الحاليين، الذين يسعون إلى تقسيم الأمة الإسلامية. إنهم يريدون منع وحدة الأمة الإسلامية، التي هي أعظم مخاوف أسيادهم في الغرب. لذلك فإنهم يثيرون أموراً لا يوجد فيها حتى ذرة من الدليل على تقويض رؤية الأمة الموحدة. ويسعون إلى إيجاد مبررات لبناء القومية والانقسام بين المسلمين. ومن المؤسف أن بعض العلماء الذين باعوا دينهم بثمن بخس يساندونهم في ذلك. هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء العلماء تأثروا بواقع الدول القومية الفاسد، والذي سببه الانحدار الفكري، والذي تجلى أيضاً في ضعف المعرفة الفقهية.
إن الحل لا يكمن في الاستغناء عن العلماء كركيزة من ركائز المجتمع الإسلامي، بل في تقويتهم، بتشجيع الأقدر من أبنائنا وبناتنا على بذل الوسع في طلب العلم في ديننا. إن ما يهم في عصرنا هو تجديد ديننا. والتجديد ليس هو الإصلاح. فصورة الإسلام في صورته الكاملة، ولا يحتاج إلى إصلاح. إن المطلوب هو تجديد فهمنا له. وهذا يتوقف على تحسين لغتنا العربية، لغة ديننا. ويتوقف على تدقيقنا في القرآن الكريم والسنة النبوية. وهذا يعني احترام العلماء القدماء الذين قضوا عقوداً من الزمان في فهم المعاني التي فهمها الصحابة رضي الله عنهم؛ خير القرون. ويتطلب إعادة دولة الخلافة التي أنتجت البيئة التي نشأ فيها خيرة العلماء، العمالقة الذين نقف على أكتافهم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مصعب عمير – ولاية باكستان