- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حمل الدعوة فرض على المرأة
لا تمنعوها فتأثموا وأعينوها أعانكم الله
لعلّ ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو حاجة الأمة الملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكل جهد يبذل من أبنائها وبناتها سوية في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ بها لتستعيد مجدها وعزتها وتحفظ بيضتها، وأيضا لإزالة كل لبس قد يكون حائلا دون دفع الرجال عامة وحملة الدعوة خاصة لأهلهم لحمل أمانة هذا الدين والدعوة لاستئناف العيش به.
لقد فرض الله عزّ وجلّ على المرأة كما فرض على الرجل سواء بسواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل ضمن كتلة للقيام بذلك، فلم يستثنها خطاب الشارع ولم يعفها منه، بل جعل الأمر واجبا عليها وأمانة في عنقها إن لم تؤدها كما طلب منها أثمت. يقول العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، أمير حزب التحرير في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾:
"فالعمل السياسي في كتلة تدعو للإسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يشمل الرجل والمرأة. لأنه لم يرد نص يخرج المرأة من هذا الحكم.
ولأنّ الأمر يتعلق بتبرئة المرأة ذمتها وقيامها بما أوجبه الله عليها فمنعها يعدّ فعلا محرما يأثم فاعله.
فكما لا يجوز للرجل منع زوجه أو أخته أو ابنته من الصلاة لا يجوز له أيضا منعهنّ من القيام بأعمال الدعوة بل إنّ خشية الله ورجاء رحمته ليدفعان المرء دفعا لوقاية الأهل من المعاصي ودفعهم للخيرات واجتناب المنكرات التزاما بما جاء في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [سورة التحريم: 6]"
يقول سيد قطب رحمه الله في شرح الآية "إنّ تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة. فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك. فهي نار فظيعة متسعرة وقودها الناس والحجارة".
لقد خيل لبعض الناس أنّ قيام المرأة بالصراع الفكري والكفاح السياسي أمر يتعارض مع كونها أمّاً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان، فبرروا لأنفسهم تثبيطهم لنسائهم بل أوغلوا في التبرير بتأييد رأيهم بأدلة شرعية سيقت في غير مواضعها فجانبوا الصواب وكسبوا إثما ويا ليتهم يرجعون.
إنّ الذي فرض على المرأة أحكاما شرعية تجعل منها في الأصل أما وربة بيت وعرضاً مصاناً هو نفسه الذي فرض عليها وكلفها بالعمل لاستئناف العيش بالإسلام ولا تعارض بينهما بتاتا، وإلقاء نظرة سريعة على واقع المسلمة صدر الإسلام يبرز بشكل واضح لا لبس فيه قيام المرأة بواجب الدعوة طائعة لربها طالبة لرضوانه رغم كل ما يصيبها من بأساء ولأواء، وكيف أن الزواج أو الأمومة وغيرها لم تَحُلْ مطلقا دون صيرورتهنّ نماذج مشرقة مشرفة في التضحية والبذل والعطاء لديننا العظيم؛ فها هي سمية الشامخة تعذَّب مع زوجها وابنها فتصمد وتحتسب وتأبى إلا أن تتخلد ذكراها كأول شهيدة في الإسلام، لم يتوان النبيّ ﷺ عن دعوتها للصبر والثبات والتطلع إلى الجنان رغم كونها أنثى، وها هي أم شريك قد جدّت في الدعوة حتى بلغ أمرها قريشا فأوثقوها وجوعوها ومنعوا عنها الماء حتى شارفت على الهلاك ما ردها ذلك عن نصرة دينها، وغيرهما كثيرات...
إنّ ذكر حديث «إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها وصامتْ شهرَها وحصَّنتْ فرْجَها وأطاعت بعلَها دخَلتْ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءتْ» وأمثاله دليلا أنّ على المرأة أن تقتصر على تلك الأعمال وأنها كافية لبلوغ مرضاة الله وأنه ليس عليها شيء إذا ما تركت الدعوة؛ هو ليّ لأعناق النصوص الشرعية واستدلالات في غير موضعها لا يقوم بها من أخذ حظا من العلم ولو قليلا، فذلك يخالف فهم كل العلماء والمجتهدين الذين يدركون أنّ ما جاء في ذلك الحديث لا يحصر الفرائض التي على النساء القيام بها ولا ينفي ما جاء في باقي الأدلة الشرعية من حث على القيام بواجبات معينة وترك لمحرمات معينة.
يقول المناوي في فيض القدير وهو يشرح هذا الحديث (إذا صلت المرأة خمسها، أي المكتوبات الخمس، وصامت شهرها، أي رمضان غير أيام الحيض، وحفظت، وفي رواية أحصنت (فرجها) عن الجماع المحرم والسحاق وأطاعت زوجها في غير معصية، (دخلت) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق دخول الجنة إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحاً أو عفي عنها).
إنّ منع المرأة من القيام بأعمال الدعوة بتعلة أنها عرض يُغار عليه ليس من الإسلام في شيء؛ فأحكام الله جاءت وفصلت كيفية صون الأعراض، والله أغير ممن هو دونه قال ﷺ: «أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه، والله أغير مني».
كذلك يجب أن يدرك أن عرقلة النساء عن النشاط في صفوف حزب يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو عرقلة للعمل وتقصير فيه لا يكفره بذل أقصى الطاقة وأكبر الجهد في السعي لاستئناف العيش بالإسلام، فكما هو معلوم أنّ الكفاية لم تتحقق بعد وأنّ الإثم يطال جميع المسلمين نساء ورجالا ما لم يعملوا، ومعلوم أنّ على كل حامل وحاملة دعوة حث كل مسلم ومسلمة للانضمام للعمل، أفمعقول أن لا يدفع الرجل أهله لذلك والأقربون أولى بالمعروف!!
ختاما أود توجيه كلمات لأخواتي وإخواني من حملة الدعوة خصوصا:
أختي الكريمة، أكيد أنك تعلمين أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن ابتلاك الله بعراقيل في دربك فاثبتي واحتسبي فالله لا يضيع أجر الصابرين، وتحلي بالحكمة وأحسني فإنّ الله يحب المحسنين، ولا تنسي أبدا قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾.
إخواني الكرام؛ أعينوا أهلكم يُعِنْكم الله، بل ادفعوهنّ دفعا، فالأمر جدّ لا هزل، كونوا لهنّ السند والعون، فالقوامة تقتضي ذلك. تلك الرجولة الحقة فخيركم خيركم لأهله.
نسأل الله الثبات والإخلاص وأن تكون بيوتنا عامرة بالخير والتقوى وأن نجتمع دوما على الخير وعلى طاعة الله.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر اليعقوبي