الأربعاء، 01 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/04م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

رمضان والتقوى

 


قال الله تبارك وتعالى: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 1-5]


إن هذا القرآن هدى ونور للمتقين، الذين يخشون ربهم، ويتقون غضبه ويفعلون ما يؤمرون، والتقوى مكانها القلب، ويصدقها العمل بطاعة الله وطلب رضوانه وخشية عذابه، ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال: بلى، قال فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال فذلك التقوى. التقوى خشية وحذر دائم من الوقوع في معصية الله ومخالفة أمره ونهيه، وتوقّي الرغبة والشهوات والطمع، والقيام بالفروض والواجبات، والتزام الحلال والبعد عن الحرام وغضب الله وسخطه.


ومن صفات المؤمنين، الإيمان بالغيب، والقيام بالفرائض، والإيمان بالرسل كافة واليقين بالآخرة، وهذه من العقيدة الإسلامية التي يجب أن تهيمن على حياة البشرية جمعاء، عوضا عن تنظيم شؤون حياة المسلمين والهيمنة عليها والعيش في كنفها المسلم والكافر على حد سواء، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ [البقرة: 174-175]


مدلول النص ينطبق على كل أهل دين وملة، ممن يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، يؤولونه بغير وجه حق ليوافق أهواء أسيادهم ويخدم مصالحهم الدنيوية، من مال وجاه وسلطان، ويكتمون ما علموا منه فلا يدرسونه ولا يتحدثون به، ولا يذكرونه أمام الناس ويخشون من بيانه، فهم يشترون به ثمنا قليلا من المنافع التي يحرصون عليها، وحالهم كحال من يأكل النار ويشبع بطنه منها على وجه الحقيقة ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾، ولهم المهانة والازدراء والإهمال والعذاب الأليم، ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وهؤلاء كمن يبيع الهدى ويشتري الضلالة فيتنازل عن الهدى بطيب خاطر، غرتهم الحياة الدنيا التي يتمتعون بها جراء خدمة الظلمة، عميت قلوبهم وأبصارهم عن رؤية الحق والهدى، يدفعون المغفرة ويأخذون العذاب، فأي تجارة خاسرة بائسة، هذه التي يفنون أعمارهم لأجلها يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ الذين يصدون عن سبيل الله عن علم ومعرفة وسبق إصرار بما لديهم من علم بكتاب الله وسنة رسوله e، أولئك خطباء الفتنة الذين هم أدوات تعطيل حكم الله بالأرض والصد عن سبيل الله، ومنع تحقيق الإسلام في واقع الحياة، بإبعاده عن تنظيم شؤون حياة الناس. واستهزاء بهم واستصغارا لشأنهم فما أصبرهم على النار، ويتوعدهم الله بسوء الخاتمة وأشد العذاب، على أفعالهم، فقد كانوا يدعون إلى الخير ولا يعملونه، ويدعون الناس إلى الهدى ولا يتبعونه، فهؤلاء هم خطباء الفتنة الذي تقرض شفاههم بمقاريض من النار؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ»، خطباء الفتنة، الذي رأهم رسول الله e ليلة الإسراء والمعراج، أناس تقرض شفاههم بمقاريض من النار، هؤلاء الذين يبررون لكل ظالم ظلمه، والذين يجعلون دين الله خدمة لأهواء البشر، ولا يجعلون أهواء الناس تنضبط بشرع الله، وهؤلاء هم الذين يحاولون أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله.


وقال الله تبارك وتعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]


ليس البر - الخير والإيمان - في مجرد التوجه قِبل المشرق والمغرب، إنما البر صدق الإيمان والعمل بمقتضى الإيمان وانضباط السلوك والمعاملات وأنشطة الحياة كلها، السياسية والاقتصادية والحكم والقضاء والبيع والشراء والصلاة والزكاة والجهاد في سبيل الله والحج والصيام، انضباطها بأحكام الشريعة الإسلامية، والإسلام لا يتجزأ ولا تسقط أحكامه، ولا تؤجل، ولا يجوز أن نكتفي بالقيام بالفروض التي نمكَّن من القيام بها مثل الزكاة والصيام والصلاة، ونترك الفروض التي يحظر علينا العمل لإقامتها مثل الحكم بما أنزل الله وتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله وتحقق طاعة الله أولا ثم العدل والإنصاف ورعاية شؤون الناس وتمكينهم من العيش في كنف الأحكام الشرعية.


الإسلام ليس جمعية خيرية ولا صندوق زكاة، الإسلام عقيدة ومبدأ طبق في واقع الحياة لأكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان وأهله أكثر من ربع الأرض وسكانها، والاقتداء برسول الله e لا يكون فقط بالجود والإحسان وإعانة المحتاج والملهوف، رسول الله e أقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، وطبق الإسلام ونشره في أقاصي الدنيا، وجاهد في سبيل الله، وحافظ على المسلمين وبلادهم ودمائهم وأرواحهم وممتلكاتهم وأدخلهم جنة الخلد، كما أنهم عاشوا في الدنيا سعداء أتقياء تظلهم أحكام الشريعة الإسلامية، فلا بد من العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم المسلمين وغيرهم بكتاب الله وسنة رسوله e، طاعة لله وامتثالا لأمره، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 49-50]، والعمل لإقامة الدولة الإسلامية لا يمنع الصلاة والصيام والزكاة بل صدق التوجه لله وإخلاص العمل بطاعة الله ورسوله والحرص على الصيام والصلاة يحرض المسلم ويدفعه لإقامتها كي تعيد الإسلام إلى واقع الحياة مؤثرا ومشكلا لحياة البشرية كما كان على طول ثلاثة عشر قرنا من الزمان وكما أمرنا الله تبارك وتعالى ورسوله e.


وقال الله تبارك وتعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]


عن أبي هريرة قال، قال رسول الله e: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ». وعن ابن عباس قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ e أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».


أيها الإخوة الكرام، إن شهر رمضان فرصة لكل منا ليراجع طاعته لله ولرسوله مراجعة تفضي إلى طاعة مخلصة صادقة لله ورسوله، تعمر القلوب بتقوى الله، وبتلاوة القرآن الكريم تلاوة تدبر وفهم، للعمل بما جاء فيه رجاء رحمة الله تبارك وتعالى والخوف من عذابه، وأن يكون أحدنا رحيما هينا لينا بأخيه المؤمن، صلبا عزيزا على الكافرين لا تأخذه بالله لومة لائم، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر عاملا لتطبيق شرع الله، قلبه مفعم بحب الله ورسوله والمؤمنين، عاملا لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بشريعة الله على منهاج رسول الله e فتحقق العدل والإنصاف للناس وتحقن دماء المسلمين وتحفظهم وترعى مصالحهم بما يرضي الله ورسوله e.


ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء والأموات اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار وأدخلنا في عبادك الصالحين، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع