الأربعاء، 01 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/04م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المفاهيم ودورها

 

الحقيقة أنني لم آت بجديد في هذا الموضوع وإنما هو تركيز وتذكير وبلورة لدور المفاهيم في حياة الأمم والشعوب بغض النظر عن اختلاف أنواع هذه المفاهيم ومدى فعاليتها في الأفراد والجماعات والشعوب.

 

تخيل عمل الروبوت (الإنسان الآلي) الذي يتحرك بفعل ريموت كونترول أو كبسة كهربائية تجعله يمشي  ويرفع يده أو رجله أو قدمه، ينظر، يغمض، يبتسم، يغضب، يسرع ويبطئ حركته، يركض للأمام أو الخلف. يصطدم أو يمشي بسلاسة وليونة... إلخ

 

المفهوم يشبه إلى حد بعيد عمل الريموت الذي يتحكم بهذا الروبوت. هو من يجعل الإنسان يعمل أو يحجم، يعاند أو يساير، يقاتل أو يسالم، يصبر أو يفتر، ينام طول الليل أو يصحو يتهجد، يجعله يغدر أو يكون أميناً، يقسو أو يلين، يعرض نفسه للمخاطر أو يؤثر السلامة، يختار الراحة أو التعب، الجوع أو العطش، البرد أو الدفء...

 

المفهوم هو الذي يجعلك توافق أو تخالف هواك ورغباتك، هو الذي يجعلك توافق أو تخالف عقلك أحيانا لضرورة ذلك، هو الذي يجعلك تضحي أو تحيد، وهو الذي يجعلك تجود أو تشح، وهو الذي يجعلك تعاقب أو تصفح، ويجعلك إلى حد بعيد تحب أو تكره، وهو الذي يقويك ويضعفك. فهو بذلك معنى الفكر أو أفكار اقتنع العقل بصحتها وصلاحيتها لجزئية من جزئيات الحياة.

 

ومن هنا جاءت أهمية الاتصال بالناس وإعطائهم البذور ومتابعتهم لتتحول البذور إلى جذور ثم إلى سوق وأوراق وثمار... ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾.

 

هذا ما يصنعه المفهوم بالفرد فماذا يصنع بالجماعات والأمم؟ المفاهيم السياسية تصنع مثل تلك الحركات في الروبوت أو في الفرد، ولكن في الجماعات لأنها تسير وترعى شؤون الجماعات والدول، فتحدد لها المنافع والمصالح والمضار والمفاسد، تحدد الثبات والتراجع وطريقة السير والسبل والشعاب، وتحدد من الحليف والعدو والصديق، وتحدد الطاعة والتمرد وسقف العداوة والصداقة، وهي التي تريك وتحذرك من الثعالب والذئاب والأفاعي في غابات الحياة السياسية داخليا وخارجيا وبدولة وبدون دولة.

 

وكلما فصلت المفاهيم وتبلورت وضحت الرؤية وثبتت القدم وسار السياسي بقناعات لا تزعزعها الحوادث والليالي. ولذا فالأفكار والمفاهيم هي الثورة العظمى في حسابات البشر وليس المال والثروات، وإن كانت وقود الحياة. ولكن المال والثروات تشبه الطعام والماء والنار لأكلة بلا وصفة! فالمفاهيم هي وصفة الطعام وهي من تجعله يؤكل أو يلقى في سلة الفضلات، هي من تجعله طعاما مفيدا أو مضرا فاسدا...

 

وخاتمة القول: إن مجموعة المفاهيم الصادقة عن الحياة هي ثمار العقيدة والأحكام والقناعات والمقاييس. هي ثمار وأنوار دعوة محمد e. وحامل الدعوة هو من يحمل هذه الثمار للناس ليستنيروا بها وليتذوقوا حلو طعم الحياة بها وبظلها وبهديها فيغيروا حياة المسلمين وواقعهم المرير إلى واقع عز كما كانوا عليه. كما أنهم بحملهم لهذه المفاهيم للمسلمين يغيرون حياة غير المسلمين عندما يشمروا عن سواعدهم من جديد ليحملوا الدعوة والعدل والرفاه للمظلومين في العالم ليستنيروا هم أيضا بنور وطعم هذه المفاهيم الصادقة عن الحياة.

 

فأي أجر ينتظر حملة الدعوة من الله؟ وأي رعاية سيلقون منه وهم الذين تلبسوا بهذا الأمر يقبلون على الحلقات لتعلم الأفكار والمفاهيم ويحملونها للناس؟ اللهم اكتبنا فيهم واجمعنا معهم على حوض الحبيب نشرب من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا. وأختم بحديث لرسول الله e: روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم أن النبي e قال ضمن حديث طويل: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».

 

هذا الحديث يبيِّن فضل العلماء، توضيحاً لقوله تعالى: ﴿يَرْفَعُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [سورة المجادلة: 11] فهم الوارثون لما تركه الرسول e، لأنه القائل: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» رواه البخاري، والقائل في طلاب العلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ» كما رواه أبو داود والترمذي، والقائل: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضاً بِمَا يَصْنَعُ» كما رواه أحمد وابن ماجه.

 

ومنها: «نَضَّرَ اللهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ تَعالَى، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ».

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فرج ممدوح

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع