الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المؤتمر الاقتصادي... كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء

 

عقدت الحكومة الانتقالية بقاعة الصداقة يوم 2020/9/26م مؤتمراً اقتصادياً ضخماً، ضم كافة أطياف المجتمع، تألف من مجموعة من المشاركين؛ خبراء اقتصاديين، وأكاديميين، ومنظمات مجتمع مدني، وممثلين للبنك الدولي، وممثلين لقوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري، وحتى ممثلين لذوي الإعاقة، وقد انعقد المؤتمر في ظل أزمة اقتصادية خانقة أحكمت قبضتها على الناس، حيث ازدادت المعاناة؛ من ارتفاع في أسعار الخبز والوقود، وغاز الطبخ، وتعرفة المواصلات، وأصبح الناس يبيتون على عتبات المخابز، ومحطات الوقود لأيام. وقد نوقشت في المؤتمر أوراق اقتصادية، قدمت فيها رؤى وأفكار وإصلاحات مظنة إحداث تغيير في الوضع الاقتصادي الراهن والاهتمام بمعاش الناس، فخرج المؤتمر بتوصيات رفعت للجهاز التنفيذي بلغت في جملتها المئة وستين توصية. إلا أن هذا المؤتمر قد واجه انتقادات واسعة لهذه التوصيات، وما شاب هذا المؤتمر من غموض وضبابية في موقف الحكومة في تعاملها مع المشكلة الاقتصادية، خلال الهزلية والفوضى التي صاحبت المؤتمر.

 

في الحقيقة فإن هذا المؤتمر قد جاء لإعطاء الضوء الأخضر لإنتاج المزيد من الفقر والفقراء، وذلك من خلال الاستمرار في زيادة الأسعار تحت لافتة ما يسمى برفع الدعم، حيث كان من بين توصيات المؤتمر ضرورة رفع الدعم، وتوسيع المظلة الضريبية، حيث قالوا بأن الدعم السلعي يمثل عبئاً على الموازنة والميزان التجاري وأن الدعم لا يذهب لمستحقيه...

 

كانت الحكومة في عهد وزير المالية السابق، قد رفعت الدعم بشكل كبير أي بنسبة أكثر من 50%، فكانت السلعة الواحدة تباع بسعرين في السوق؛ مدعوم وتجاري، ومن الآثار السالبة نتيجة لرفع الدعم ارتفعت أسعار السلع والخدمات، بل وصعوبة الحصول عليها إلا بشق الأنفس، فقطعة الخبز الواحدة بلغ سعرها عشرة جنيهات وفي أماكن أخرى بعشرين جنيهاً، بل في بعض الولايات بلغت الثلاثين جنيهاً، ناهيك عن ازدياد صفوف الوقود وغاز الطبخ وغيرها من الحاجات الأساسية، وبالطبع ارتفعت تعرفة المواصلات تبعاً لذلك، إضافة لاصطفاف العربات في محطات الوقود لأيام وأسابيع، ما شكل ضغطاً على الناس وزيادة معاناتهم، هذا كله نتيجة لرفع الحكومة الدعم بشكل جزئي بهذه الكيفية، فكيف يكون الوضع إذا قامت الحكومة برفع الدعم بشكل كامل؟ وبالفعل، وفي خطوة تكشف عن عمالة هؤلاء الحكام وإصرارهم على تجويع الناس وزيادة الفقر، أعلن وزير الطاقة والتعدين في بيان صحفي في 2020/10/10م: "أن الترتيبات جارية لتنفيذ سياسة تحرير البنزين والجازولين" (سودان تربيون)، يأتي هذا على خلفية مصادقة مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي يوم الخميس 2020/10/8م على تخصيص مبلغ 400 مليون دولار لدعم الأسر الفقيرة أثناء تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية القاسية. ولذلك يأتي إصرار الحكومة على رفع الدعم وتحرير السلع على الرغم من علمها المسبق بنتائج هذه الإجراءات الكارثية على الناس، استجابة لهذه الروشتات المهلكة، هؤلاء الحكام لم يكتفوا فحسب بسياسة التحرير الاقتصادي، التي صنعت مزيداً من الفقراء، بل قامت الحكومة، في ظل حاجة الناس لرفع المعاناة والعوز عن كاهلهم، قامت بدفع غرامات تفجير السفارتين الأمريكيتين بدار السلام ونيروبي، والمدمرة كول البالغة 335 مليون دولار، وقامت بجمع هذه الأموال الضخمة من السوق الموازي مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع وفقدت العملة المحلية أربعين بالمئة من قيمتها خلال أيام، بحسب ما جاء على لسان نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي عبر قناة سودانية 24. أي أن سياسات الحكومة الاقتصادية الفاشلة والمهلكة قبل وبعد انعقاد المؤتمر ظلت كما هي لم تتغير، وكان من المتوقع بعد هذا المؤتمر أن تقوم بإصلاحات جادة لحل الأزمة وتنفيذ التوصيات.

 

إن أصل الأزمة هو أن ميزانية العام 2020م في نسختها الأولى اعتمدت اعتماداً كاملاً على الدول المانحة أو من يسمونهم بأصدقاء السودان والمجتمع الدولي، لتمويل الميزانية لتغطية العجز الذي قدر بخمسة مليارات دولار؛ فالحكومة تراهن على الخارج لسد عجز الميزانية، إلا أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة وبدأت بلطم الخدود عندما أعلن أصدقاء السودان عن عدم مقدرتهم على المساعدة بسبب قائمة الإرهاب، وقد جاء في صحيفة الجريدة العدد "3052": كشف عضو اللجنة الاقتصادية بقوى إعلان الحرية والتغيير صدقي كبلو عن عقد سفراء دول أوروبية في السودان اجتماعات بجهات سياسية لإقناعها بضرورة رفع الدعم فوراً، واستبعد دعم أصدقاء السودان للحكومة الانتقالية إلا بتوصية من البنك الدولي، وتنفيذ شروطه المتمثلة في التحرير الاقتصادي. فالحكومة في هذه الميزانية اعتمدت اعتمادا كاملا على المنح الخارجية لتغطية العجز البالغ خمسة مليارات دولار، فعدم وفاء أصدقاء السودان بدفع هذا المبلغ شكل صدمة عند الحكومة، وأربك حساباتها، وعندما يئست من أصدقائها، رهنت نفسها بالكامل لروشتات صندوق النقد الدولي وتوصياته المدمرة، ولم تكتف بالتزامها بروشتات الصندوق فحسب، بل لجأت كذلك إلى طباعة العملة بشكل عشوائي، ما أدى إلى زيادة التضخم إلى 250% وارتفاع الأسعار وتدني قيمة العملة، علاوة على زيادة الضرائب والجبايات أفقياً ورأسياً مباشرة وغير مباشرة، وزيادة الدولار الجمركي... فكان لكل هذه الخطوات الخرقاء والفاشلة التي قامت بها الحكومة كعملية جراحية قاسية لا بد منها لتغطية عجز ميزانية العام 2020م. فكان لكل ذلك أثر كبير في بروز الأزمة الاقتصادية. غير أن المؤتمر الاقتصادي الذي تم عقده لم يتطرق لهذه الأسباب مطلقاً، بل اكتفوا بمناقشة آثار المشكلة دون النظر إلى المشكلة نفسها، وهذا شأن التفكير الرأسمالي في معالجة القضايا.

 

لذلك فإن مؤتمراً بهذه الهزلية وعدم الجدية في التعاطي مع جذور الأزمة، هو مؤتمر وُلد ليفشل، وحتى الآن لم نر أثرا إيجابيا لتوصياته على أرض الواقع سوى زيادة معاناة الناس، فهو مجرد أداة لإطالة عمر الحكومة الانتقالية، ولتخدير الناس بوعود كاذبة، وهو مؤتمر تم عقده في ظروف قاسية، مع تزايد تذمر المواطنين من الوضع القاسي، لذلك كان الهدف الرئيسي من عقد هذا المؤتمر هو البحث عن شعبية لحكومة فاشلة آيلة للسقوط، وهو بالفعل ما عبرت عنه صراحة وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي في مؤتمرها الصحفي بخصوص الحديث عن المؤتمر الاقتصادي بقولها "إن دواعي إقامة المؤتمر تتمثل في إشراك كل أصحاب المصلحة بمنظوماتهم المختلفة، في وضع السياسات، واتخاذ القرار بغرض صنع مشروع وطني، تتوفر له أكبر مظلة شعبية تدعمه لينجح ويستمر".

 

أما بالنسبة لموضوع رفع الدعم أو سياسة التحرير للعملة والسلع والخدمات، ففيه الكثير من التضليل والتدليس على أهل السودان، فلو نظرنا لواقعه سنخرج بالحقائق التالية:

 

أولاً: قول الحكومة إنها تدعم الناس هو ادعاء مفضوح ومكذوب، لأن هذه الموارد والأموال هي ملك للشعب في الأصل وليست صدقة، ولا تكرماً من الحكومة للناس، فالحكومة تتعامل مع رعاياها بعقلية التاجر الجشع بوصفها حكومة رأسمالية، حكومة جباية، فالنظام الرأسمالي يخلط بين الملكية العامة وملكية الدولة، ويذيب الملكية العامة في ملكية الدولة، ويحرم الشعوب من التمتع بمواردها وخيراتها، مع أن الفرق شاسع بين الملكيتين.

 

ثانياً: رفع الحكومة يدها عن دعم الناس هذا يعتبر تملصا من المسؤولية وهروبا من واجب الرعاية التي أوجبها الشرع على الحاكم الذي يُوجب عليه توفير المأكل والملبس والمسكن، لكل فرد من أفراد الرعية فرداً فردا، وضمان إشباع هذه الحاجات الأساسية، يقول الرسول ﷺ: «فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، فلا يوجد في الدنيا أب يقول لأبنائه أنا قد رفعت يدي عن رعايتكم!

 

ثالثاً: عملياً فإن الحكومة لم تدعم الناس، وإنما الحاصل هو اختلاف في سعر الصرف ما بين البنك المركزي والسوق الموازي، فالمستوردون من شركات القطاع الخاص ومنهم شركات استيراد القمح عند توفر الدولار في البنك المركزي تأخذه بسعر أقل من السوق الموازي، وفي حال خلو البنك من الدولار تضطر هذه الشركات والمؤسسات للنزول للسوق الموازي لتشتري الدولار بسعر أعلى من سعر البنك المركزي، وهنا تضطرب أسعار السلع والخدمات نتيجة لهذا الاختلاف في سعر الصرف.

 

رابعاً: إصرار الحكومة على الاستمرار في سياسة رفع الدعم ومن قبلها حكومة الإنقاذ البائدة، بالرغم مما توجده من أزمات، لكن وببساطة، ولأنها أوامر صندوق النقد الدولي فهي ملزمة بتنفيذها، ومن المعروف أن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة استعمارية تم تسخيرها لنهب ثروات الضعفاء من البشر، ومن أهدافه الرئيسية تحطيم الدول وتركيعها اقتصادياً والسيطرة على قرارها السياسي؛ يقول الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق: "إن من العوامل التي ساهمت في نهضة ماليزيا هو عدم الاستجابة لروشتات صندوق النقد الدولي".

 

إن الناظر إلى أسباب المشكلة الاقتصادية في السودان يجدها تتشابه في الأساس مع المشكلات الأخرى التي تعاني منها البشرية من مشكلات اجتماعية وسياسية وثقافية وغيرها، لذلك يجب النظر إلى أساس هذه المشكلات مجتمعة، حتى نضع لها حلولاً جذرية، فأساس المشكلة الاقتصادية هو تطبيق الحكام واعتناق الوسط السياسي للنظام الرأسمالي، إذ هو أساس هذه الأزمات التي تعصف بالبشرية، فهذا النظام هو الذي توهم وجود مشكلة الندرة النسبية للسلع والخدمات، أي قلة موارد الطبيعة مقابل تزايد الناس بمتوالية هندسية مما يحتم تسابق الناس للحصول على السلع والخدمات، وقال إن هذه هي المشكلة التي تواجه البشر على وجه الأرض والتعامل مع هذه المشكلة يكون بجهاز الثمن أي أن من يملك ثمن السلع وعنده القدرة على الإنتاج هو الذي يحوز الموارد والحاجات، ولذلك يرى النظام الرأسمالي أن مسألة الفقر ووجود الفقراء مسألة حتمية، ومن هنا كان النظام الرأسمالي هو الذي يصنع الفقر والفقراء، ويجعل الرأسماليين الأغنياء وحوشاً يفترسون الضعفاء.

 

فوجب اجتثاث هذا النظام من جذوره وإلقاؤه في هاوية سحيقة، وتطبيق نظام رب العالمين؛ نظام الإسلام تطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، حتى ينعم الناس بحياة ملؤها الطمأنينة وراحة البال، حياة خالية من الأزمات، فيجب على الأمة أن تغذ الخطا للعمل لإقامة الخلافة مع أبنائهم في حزب التحرير من أجل التغيير الجذري على أساس الإسلام العظيم.

 

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مجاهد آدم – ولاية السودان

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع