- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بيجين +٢٥: هل سقط قناع المساواة بين الجنسين؟
الكلمة السادسة: "المرأة والنزاع المسلّح" – حلول على الورق... وفشل في الميدان!
الأخوات الكريمات:
عند الحديث عن مناطق النزاع المسلّح تقفز إلى الذّهن صور الدّمار والدّماء والأشلاء، ودموع الأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى، وافتراق الأسر وتشتتها، ومشاهد التهجير واللجوء المؤلمة، ومعاناة التعذيب والأسر، والاختفاء القسري، والآثار الجسدية والنفسية والتي يستمر تأثيرها لمدى طويل ولأجيال متلاحقة نتيجة استخدام أسلحة كيماوية ونووية مدمرة، وتأثيرات أخرى تطال جميع جوانب الحياة الاقتصادية والمعيشية والسياسية... فما هي الأهداف والآليات التي حددها ميثاق بيجين لتحسين حياة المرأة في مناطق النزاع المسلح؟ وما مدى نجاعتها ونجاحها على أرض الواقع؟
إنّه من خلال النظر في هذه الأهداف والآليات نجد أنّها:
1- تجعل من المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بوصولها لمراكز القرار في الهيئات والمنظمات واللجان ذات العلاقة بمجال الحروب ومفاوضات السلام محوراً لأهدافها وتطرحهما كحل لتخفيف معاناة المرأة في مناطق النزاع المسلّح، فتنص المادة 134 من الوثيقة على أنّه: "إذا أريد للمرأة أن تنهض بدور متساوٍ في تأمين السّلم وصيانته، فيجب تمكينها سياسياً واقتصادياً، ويجب أن تكون ممثلة على جميع مستويات صنع القرار تمثيلاً كافياً"، وهم بذلك يضللون المرأة ويحملونها فوق طاقتها بدل أن يخففوا عنها معاناتها، فيجعلونها تجري خلف السراب، فالمساواة بين الجنسين فكرة واهية لا تراعي الفوارق التي فطر الله كلّاً من الذكر والأنثى عليها ووزع الواجبات والحقوق وفقاً لذلك فلم يظلم أيّ طرف منهما ولم يحمله أيّ شيء فوق طاقته، يقول تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾، علاوة على أنّها فكرة أقرَّ أهلها بفشلها وعدم إمكانية تحقيقها إلى الآن أو حتى في المستقبل القريب.
أمّا عن وصول المرأة لمراكز القرار ومشاركتها في لجان المفاوضات أو إعادة الإعمار أو المحاكم الدولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب أو أي منصب آخر من مناصب صنع القرار فلن يكون له أثر حقيقي في إنهاء الحروب وتخفيف معاناة المدنيين بشكل عام والنساء بشكل خاص، لأنّ النظام الذي تأتمر به هذه اللجان والقوانين التي تحتكم لها تخرج من مشكاة النظام الرأسمالي الذي تعتنقه الدول الاستعمارية مُشعلة الحروب والنزاعات، فهذه اللجان والمؤسسات منزوعة من قوة التغيير وكلُّ من يصل لهذه المراكز (رجلاً أو امرأة) هو مكبل الأيدي محكوم بهذه السياسات وبإرادة ومصالح الدول الكبرى. علاوة على أنّ فكرة وصول المرأة لمراكز القرار سيحسن من حال النساء في ذلك البلد، قد ثبت فشلها على أرض الواقع، وانظروا إذا شئتم على سبيل المثال إلى حال بنغلادش ونسائها في ظلِّ حكم حسينة.
2- يطالب ميثاق بيجين الحكومات بتخفيض النفقات العسكرية وتخصيص اﻷموال لأغراض التنمية الاجتماعية والاقتصادية وﻻ سيما من أجل النهوض بالمرأة، ولكننا لا ندري أي نهوض يريدون وعلى أي أساس سيكون؟ ونعلم يقينا أنّه لن يتمَّ تحقيق تقدم يذكر في هذا المجال، لأننا نتحدث عن دول رأسمالية استعمارية لا تعطي قيمة سوى للمادة، وكذلك فإنّ الأنظمة الحاكمة في العالم اليوم "التابعة" و"المتبوعة" هي أنظمة جباية لا أنظمة رعاية، ويؤيد ذلك ما قالته فومزيليملامبو - نكوكا، (المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة) إنّ "دعوات المنظمة النسوية المتكررة لنزع السلاح وتحديد الأسلحة وتحويل الإنفاق العسكري إلى استثمارات اجتماعية لم تتم الاستجابة لها من المجتمع الدولي".
3- ومن جهة أخرى يطالب ميثاق بيجين الدول بالتوقيع على معاهدات حظر انتشار السلاح ولا سيما النووي، ولكنّ الدول الكبرى لا توقع ولا تلتزم بها، فهذه الدول لا يهمها سلامة البشر ولا البيئة ولا أيّ شعار كاذب ترفعه، ومقياس أعمالها هو المنفعة لا غير، لذلك نجدها تسخر كل الوسائل والأساليب لتحقيق تلك المنفعة ولو أدى ذلك إلى ارتكاب أبشع الجرائم بحقّ الشعوب، فقد استخدمت هذا السلاح في العراق واليابان وفيتنام وسوريا دون أدنى اعتبار للاتفاقيات ولا البروتوكولات المتعلقة بحظر الأسلحة المدمرة أو المتعلقة بحقوق المدنيين كاتفاقية جنيف.
4- تنص وثيقة بيجين على اتخاذ إجراءات للتحقيق مع أفراد الشرطة والأمن والقوات المسلحة وغيرهم ممن يرتكبون أعمال عنف ضدَّ المرأة وانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وانتهاكات لحقوق الإنسان وحالات النزاع المسلح ومعاقبتهم، ولكن حقيقة لم تتم معاقبة مرتكبي هذه الجرائم، ولم يتم الحد منها، بل إنَّ الأمم المتحدة راعية هذا المؤتمر (مؤتمر بيجين) قد ارتكبت جرائم على نطاق واسع من العالم تحت حماية الحصانة التي يتمتع بها العاملون فيها فهل هي فوق القانون والمحاسبة؟! فقد نشرت وكالة الأناضول التركية بتاريخ 2018/12/10 تقريراً جاء فيه "شهد العامان الماضيان ارتفاعا مزعجا في عدد ادعاءات الاستغلال والاعتداء الجنسي الموجهة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وبالإضافة إلى انتشار الجوع وانعدام الأمن في مناطق الصراعات، فاقم العنف الجنسي من جانب "حفظة السلام" الظروف القاسية للضحايا في دول مثل هايتي والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومؤخرا في جمهورية أفريقيا الوسطى". فكيف لنا أن ننتظر ممن انتهك حقوق الإنسان وانتهك أعراض النساء واعتدى على الأطفال أن يكون أميناً على المرأة ويشكل لجان تحقيق ويصدر العقوبات بحقِّ مرتكبيها؟!
وليس الأمر مقتصراً على التغاضي عن الجرائم التي يرتكبها موظفوها بل إنَّ الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها تتعامل بازدواجية كبيرة وتقف في صفّ الظالمين لا في صف المظلومين، وقد كانت منذ إنشائها أداة في يد الدول الكبرى، والشواهد على تواطؤ الأمم المتحدة وازدواجيتها أكثر من أن يتسع لها هذا المقام. ولكن نذكر منها دعمها لكيان يهود منذ نشأته وإصدارها للقرارات التي تعترف به وبوجوده وتغاضيها عن جرائمه بحق أهل فلسطين، وقيام أمريكا باحتلال العراق وتدميره تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة، ومساندتها للمجرم بشار وصمتها على إجرامه واستخدامه للسلاح الكيماوي في الغوطة وفي غيرها... ولا زالت تبحث هل ترقى هذه لجرائم حرب أم لا؟!
5- تنص الوثيقة على توفير الحماية الدولية والمساعدة والتدريب للاجئات والمشردات، ولكن على أرض الواقع لم يُضاه الدعم والمساعدة التي قُدّمت حجم ما أُشعل من حروب وصراعات وما خلفته من دمار ومشاكل، وحتى هذا الفتات الذي تمّ تقديمه كان من جيوب شعوب الدول التي تبرعت بأموالها في مؤتمرات المانحين، والتقصير والتخاذل عن توفير الحماية والرعاية للاجئين قد طال الدول المستضيفة كما طال المنظمات الأممية فعاشت اللاجئات في مخيمات أطلق عليها مخيمات الموت لسوء الأوضاع المعيشية فيها، وقد وردت تقارير تتحدث عن سوء المعاملة والاستغلال الذي يمارس على اللاجئات في سبيل حصولهن على الغذاء والخدمات الأساسية.
الأخوات الكريمات:
لقد جاءت أحكام الإسلام وتشريعاته فيها رحمة وهداية وحياة للبشرية حتى فيما يتعلق بالحروب والقتال.
والجهاد في الإسلام هو لإحياء البشر بنشر الإسلام بينهم، وليس لإهلاكهم وإفنائهم، والقتال في تصور المسلم محدد ومقيد بأوامر الله ونواهيه ومربوط بالهدف الذي رسمه الشارع، وهو إزالة الحواجز المادية التي تقف في وجه الدعوة وحملها للعالم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» (متفق عليه واللفظ للبخاري)، هذا من حيث التشريع، أمّا من حيث التطبيق فإنّ دولة الخلافة ليست دولة استعمارية تعيش على مص دماء الشعوب ونهب ثرواتها، ولا تقاتل من أجل الهيمنة على آبار البترول ولا على مناجم الفحم والذهب والألماس...إلخ، ولا على أماكن استراتيجية تمكنها من السيطرة الظالمة على كل مكان، وقد شهد التاريخ على عدالة دولة الخلافة مع شعوب البلاد التي تمّ فتحها، وكيف أنّها كانت تعرض عليهم الإسلام أولاً فإن رفضوا، عرضت عليهم دفع الجزية والدخول في سلطان الإسلام، فإن أبوا قاتلتهم.
2- سياسة الإسلام في الجهاد ليست سياسة إبادة للمدنيين والشجر والحجر، والقتال في الإسلام لا يعني إهلاك الحرث والنسل بوسائل قامت وتقوم الدول الاستعمارية وعملاؤها باستخدامها دون رادع مثل الغازات السامة والأسلحة النووية والبيولوجية وغيرها. فالإسلام يعتبر قتل النفس الواحدة كقتل النّاس جميعاً، كما قال تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾. وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يوصي الجيوش الخارجة للقتال كما رواه مسلم وأبو داود عـن سليمان بن بُريدةَ، عـن أبيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغلُّوا وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً» وقد سار الخلفاء على نهجه من بعده.
3- وضع الإسلام أحكاماً للمستأمنين وطالبي اللجوء وحفظ لهم أنفسهم وأموالهم فقرر حقوقاً للاجئين قبل أن تضعها لهم الأمم المتحدة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾، وفُتحت لهم دولة الخلافة وتحركت جيوشها نصرة لكلِّ مظلوم ومقهور من المسلمين أو من رعايا الدولة أو ممن استغاث بها من غيرهم، وحادثة إنقاذ السلطان بايزيد الثاني لليهود الذين فرّوا من محاكم التفتيش في إسبانيا شاهدة على ذلك.
4- دولة الخلافة تجعل من الدفاع عن أعراض النساء وحمايتهن على رأس أولوياتها، وهي لا تزج بالمدنيين ولا سيما النساء في وسط النّار لتحقيق أهدافها كما هو حاصل اليوم في سوريا واليمن وغيرها من البلاد، وصرخة استغاثة واحدة تطلقها إحدى النساء المسلمات كفيلة بتحريك جيش عرمرم لنصرتها، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أجلى بني قينقاع، وكما فعل الخليفة المعتصم عندما استغاثت به امرأة مسلمة في سجون الروم.
5- في دولة الخلافة لا يكون هناك تعارض بين الإنفاق على النواحي العسكرية في الدولة، وبين الإنفاق على القطاعات الأخرى كالصحة والتعليم وتوفير الحاجات الأساسية للناس، لأنّ رعاية شؤون الناس وتوفير احتياجاتهم هو من واجبات الدولة، كما هو الإعداد العسكري.
لقد تبينّ لنا بالملموس فشل سياسات ميثاق بيجين في تحسين حياة النساء في مناطق النزاع المسلح، فواضعو الميثاق والموقعون عليه قد حرفوا البوصلة عن الوجهة الصحيحة وأوهموا النساء أنّ ما طرحوه بإمكانه أن يخفف معاناتهن، والحقيقة أنّهم لم يشخصوا المرض بشكل صحيح ليعطوا له العلاج الناجع، فالمشكلة لا تكمن في المساواة أو عدمها أو في وصول المرأة لمراكز القرار أو عدمه، ولا بالانضمام للاتفاقيات الدولية المتعلقة بمنع التسلح أو بحقوق الإنسان، بل المشكلة في المبدأ الذي تعتنقه الدول المتحكمة في المجتمع الدولي وسياساته، وما أفرزه من أفكار وما أنتجه من سياسات ومطامع استعمارية تسببت في إشعال النزاعات والحروب التي أكلت الأخضر واليابس وتسببت في نتائج كارثية على البلاد التي أشعلت فيها ولا سيما على النساء والأطفال، ومن ثمّ جاءت هذه الدول وطرحت الحلول عن طريق المؤسسات الأممية، فكان الدواء فاسداً لأنه أخذ من مصدر الداء، إذاً فالمشكلة مشكلة نظامٍ وضعي فاسد، ومشكلة دول لا تعطي أي قيمة سوى للمادة، ولذلك لا بدَّ من استبدال مبدأ رباني به من لدن حكيم خبير. وهذا المبدأ هو الإسلام، وكان لا بدّ من إقامة دولة تقوم بتطبيقه في واقع الحياة فتقدم الحلول العملية لتلك المشاكل لا مجرد حلول على الورق، واتفاقيات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهذه الدولة هي الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريباً بإذن الله.
فهلاّ شمرنا عن سواعد الجدّ وعملنا مع العاملين لإقامتها، فإنها والله سبيل الخلاص في الدنيا والآخرة.
﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾