- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2023-12-06
جريدة الراية: حرب غزة وأثرها على تدفق موارد الطاقة
منذ أول يوم لبداية حرب غزة في السابع من تشرين الأول 2023 عمدت أمريكا للتحذير من توسع الحرب إقليميا وعملت جهدها مع جميع الأطراف ذات العلاقة والصلة بطرفي النزاع أن يتم حصر الحرب في منطقة غزة وفلسطين المحتلة ولا تتعداها إلى أي طرف آخر. وسارعت أمريكا إلى إرسال مدمرتين مع ما يرافقهما من قوات بحرية إلى شواطئ البحر المتوسط وعلى ساحل فلسطين، مؤكدة أن الهدف الأساسي من إرسال هذه القوة الهائلة هو ضمان عدم توسع الحرب إقليميا. فالحرب إذا توسعت ساحاتها إلى دول الجوار مصر والأردن وسوريا ولبنان، فمن شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على تدفق النفط والغاز من الدول المنتجة لهذه الموارد كالسعودية والإمارات وقطر والكويت وإيران والعراق. وأمريكا أول من يدرك أثر الحروب على إمدادات الطاقة؛ فمن قريب أدت الحرب في أوكرانيا إلى خفض تدفق الغاز الروسي للقارة الأوروبية بشكل كبير. وقبل ذلك كانت حرب أكتوبر سنة 1973 بين دولة يهود وبين مصر وسوريا قد صاحبها توقف تدفق النفط من البلدان العربية في الخليج والعراق إلى الأسواق العالمية ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط أضعافاً عديدة.
ولكن نحن نعلم أن خفض تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا خاصة إلى ألمانيا كان يصب مباشرة في هدف أمريكا الاستراتيجي وهو إبقاء أوروبا تحت الضغط الأمريكي حتى لا تتجرأ على الانفلات من فلك أمريكا سواء من خلال بناء قوة أمن أوروبية أو الابتعاد عن الناتو.
وأما توقف تدفق النفط العربي خلال حرب 1973، فقد تبين للمفكرين السياسيين أولا ومن ثم لعامة السياسيين من خلال الأبحاث والتقارير بأن السياسة الدولية لأمريكا كانت هي المستفيد الأكبر من رفع أسعار النفط؛ حيث تمكنت أمريكا من خلال هذه العملية من تمرير سياستها المتعلقة بإلغاء اتفاقية ربط الدولار بالذهب التي كانت قد ألغتها سنة 1971، ووجدت معارضة كبيرة من الدول الأوروبية خاصة من قبل شارل ديغول رئيس فرنسا. ومن ثم تمكنت أمريكا من خلال ملك السعودية فيصل وأثره في أوبك أن تحصر بيع البترول بالدولار ما أعطاها فرصة ذهبية تمكنت من خلالها من ربط قيمة الدولار بالنفط بدلا من الذهب.
واليوم حين تعلن أمريكا في حرب غزة عن خطورة توسع الحرب إقليميا وتدعم ذلك ببوارجها المدمرة، فإنها تذكر العالم وعلى الأخص أوروبا والصين بأن هذه الحرب إذا توسعت إقليميا فإن تدفق النفط سينخفض إلى درجة تؤثر على مقدرة أوروبا والصين الصناعية والتجارية، وهو أمر بالغ الأهمية، كي تلتزم هذه الدول خاصة الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا بعدم التدخل بأي شكل قد يؤدي إلى إفساد ما تطمح إليه أمريكا بعد نهاية الحرب أو وقفها، سواء من حيث المضي بحل الدولتين الذي تعتمده أمريكا، أو ما يتبعه من إعادة صياغة الشرق الأوسط على الوجه الذي يحقق مصالح أمريكا الكبرى، والمتضمنة استقراراً إقليمياً في الشرق الأوسط يمكنها من الإفادة بشكل كبير من موارد هذا الإقليم ماليا واقتصاديا وسياسيا.
والحاصل أن أمريكا كانت ولا تزال تستخدم مصادر الطاقة من حيث استمرار تدفقها، أو وقفها جزئيا أو كليا، أو من حيث ارتفاع أو خفض أسعارها، تستخدمها كأوراق ضغط قوية من أجل الحفاظ على مصالحها الدولية أو الإقليمية.
لذلك لم يكن غريبا أن يتردد موضوع استمرار تدفق النفط والغاز خلال أيام هذه الحرب، وما رافقه من تشديد على ضرورة عدم توسع الحرب لتشمل دولا في الإقليم، ولما يصاحب ذلك من ارتفاع شديد في أسعار البترول والغاز على مستوى العالم.
ومن ناحية أخرى لا شك أن كيان يهود من الزاوية المحلية للحرب، لديه أهداف لا يعلنها صراحة كتلك المتعلقة بالتخلص من حماس أو تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار. وأهم هدف غير معلن هو إعادة احتلال (على الأقل) جزء مهم من غزة وهو المطلّ على ساحل البحر المتوسط والذي يحتوي آبار غاز بكميات هائلة من الاحتياط تصل إلى 1.4 تريليون متر مكعب، حتى لا تعود مسألة استخراج يهود للغاز من هذه الآبار لتشكل عملية قرصنة وسرقة، خاصة إذا جاءت قرارات وقف إطلاق النار على شاكلة تلك التي اعتمدت في حرب 1948 و1967 والتي جعلت لكيان يهود إمكانية القيام ابتداء والتوسع ثانيا. فاحتلال يهود لغزة بأكملها أو جزء منها، والذي تسيطر عليه اليوم عسكريا سيجعلها قادرة على الولوغ في غاز غزة جهارا نهارا.
وعلى المستوى الإقليمي إذا تم تمكين كيان يهود من السيطرة على مناجم الغاز في سواحل غزة، فسوف يكون لذلك أثر كبير على توفر الطاقة وأسعارها في مصر والأردن. ولو لم تكن لمصر والأردن غاية أخرى غير الحفاظ على مصادر الطاقة، لكفت لكي تتدخل هاتان الدولتان وتردعا كيان يهود عن توغله في غزة، وإن كنا نعلم أن هاتين الدولتين مسلوبتا الإرادة السياسية بشكل كامل، فدوافع التدخل ليست فقط وقف الحرب الهوجاء على أهل غزة ومقدراتها من الغاز، بل لإنهاء وجود كيان يهود من جذوره وتخليص المنطقة بل والعالم كله من شروره. ولكن قد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي!
بقلم: د. محمد جيلاني
المصدر: جريدة الراية