محمد ما مات
- نشر في أخرى
- قيم الموضوع
- قراءة: 557 مرات
نحييكم جميعا أيها الأحبة الكرام في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روى أبو داوود في سننه قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ الْيَمَامِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ قُشَيْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَسْبَذِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ وَهُمْ مَجُوسُ أَهْلِ هَجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَكَثَ عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَسَأَلْتُهُ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيكُمْ قَالَ شَرٌّ قُلْتُ مَهْ قَالَ الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَتَرَكُوا مَا سَمِعْتُ أَنَا مِنْ الْأَسْبَذِيِّ، قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ قُشَيْرٍ ): بِالْقَافِ وَالشِّين الْمُعْجَمَة مُصَغَّرًا
( مِنْ الْأَسْبَذِيِّينَ ): بِالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّال الْمُعْجَمَة. قَالَ فِي النِّهَايَة فِي مَادَّة أَسْبَذَانَة: كَتَبَ لِعَبْدِ اللَّه الْأَسْبَذِين هُمْ مُلُوك عُمان بِالْبَحْرَيْنِ الْكَلِمَة فَارِسِيَّة مَعْنَاهَا عَبَدَة الْفَرَس لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ فَرَسًا فِيمَا قِيلَ وَاسْم الْفَرَس بِالْفَارِسِيَّةِ أسب اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي مَادَّة سَبَذَ: جَاءَ رَجُل مِنْ الْأَسْبَذِيِّينَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ قَوْم مِنْ الْمَجُوس لَهُمْ ذِكْر فِي حَدِيث الْجِزْيَة، قِيلَ كَانُوا مَسْلَحَة لِحِصْنِ الْمُشَقَّر مِنْ أَرْض الْبَحْرَيْنِ الْوَاحِد أَسْبَذِيّ وَالْجَمْع الْأَسَابِذَة اِنْتَهَى. وَفِي تَاج الْعَرُوس: أَسْبَذ كَأَحْمَد بَلَد بِهَجَرَ بِالْبَحْرَيْنِ، وَقِيلَ قَرْيَة بِهَا، وَالْأَسَابِذ نَاس مِنْ الْفُرْس نَزَلُوا بِهَا.
وَقَالَ الْخُشَنِيُّ: أَسْبَذ اِسْم رَجُل بِالْفَارِسِيَّةِ مِنْهُمْ الْمُنْذِر بْن سَاوَى الْأَسْبَذِيّ صَحَابِيّ اِنْتَهَى.
وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: سَبَذَ عَلَى وَزْن حَطَبَ، وَالْأَسْبَذ بِسُكُونِ السِّين وَاَللَّه أَعْلَم
( فَمَكَثَ ): أَيْ الرَّجُل الْأَسْبَذِيّ. ( عِنْده ): أَيْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
( شَرّ ): أَيْ هُوَ شَرّ. ( مَهْ ): أَيْ اُكْفُفْ. قَالَ فِي النِّهَايَة: مَهْ اِسْم مَبْنِيّ عَلَى السُّكُون بِمَعْنَى اُسْكُتْ اِنْتَهَى
( وَتَرَكُوا مَا سَمِعْت ): قَالَ فِي السُّبُل: لِأَنَّ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن مَوْصُولَة وَصَحِيحَة وَرِوَايَة اِبْن عَبَّاس هِيَ عَنْ مَجُوسِيّ لَا تُقْبَل اِتِّفَاقًا اِنْتَهَى. وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ.
أحبّتنا الكرام: الجزية مال مستحق لبيت المال وتكون أحكامها كما يلي:
تعريفها: الجزية هي حق أوصل الله تعالى المسلمين إليها من الكفار خضوعاً منهم لحكم الإسلام
دليلها: تؤخذ من أهل الكتاب بدليل قوله تعالى في سورة التوبة: ((قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ))
كما تؤخذ من غير أهل الكتاب لما جاء في حديثنا لهذا اليوم ... فتؤخذ من المجوس، كما تؤخذ من الهندوس والصابئة والشيوعيين وأمثالهم .... عرباً كانوا أم غير عرب، أما من كان مسلماً ثم ارتد عن الإسلام إلى أي ديانة كانت، اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو الشيوعية أو أي ديانة غير الإسلام فيعامل معاملة المرتدين وفلا تؤخذ منه الجزية بل يستتاب فإن عاد إلى الإسلام وإلا ضربت عنقه، وهذا لا ينطبق على الفئات التي كانت مسلمة وارتدت عن الإسلام ولا زالت موجودة إلى اليوم من مثل الدروز والبهائيين والإسماعيلية والنصيرية فإن من هم موجودون اليوم من أبنائهم وأحفادهم لا يعاملون معاملة المرتدين لأنهم لم يرتدوا هم أنفسهم عن الإسلام بل ولدوا غير مسلمين لذا يعاملون معاملة المجوس والصابئة فتؤخذ منهم الجزية على أن لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم.
والجزية مشتقة من الجزاء .... فهي تؤخذ من الكفار جزاء كفرهم وليس جزاء حمايتهم كما يظن البعض، لذا فهي لا تسقط عن أهلها ما داموا على كفرهم .....حتى لو اشتركوا في القتال مع المسلمين أو عملوا موظفين في الدولة لأنهم يأخذون راتباً على التحاقهم بالجيش أو بالوظيفة وأما الجزية فهي استحقاق عليهم بسبب كفرهم.
وتسقط الجزية في الحالات التالية:
1- بالإسلام فمن أسلم من أهل الذمة سقطت عنه جزية رأسه ... سواء أكان إسلامه في أول العام أو منتصفه أو آخره أو بعد انتهائه فإنه لا يجب عليه شيء لأنه أصبح مسلماً وليس المسلم من أهل الجزية لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس على مسلم جزية "
2- وتسقط عن الفقير الذي يُتَصَدَّقُ عليه
ولا تسقط بالموت بل تؤخذ من تركة المتوفى كباقي الديون فإن لم يكن له تركة سقطت إذ لا تجب على ورثته
ولا تسقط بالإعسار بل تبقى ديناً عليه وينظر المعسر إلى ميسرة.
أما كيف توضع: فهي توضع على الرؤوس لا على الأموال
فليس كل من يملك المال تفرض عليه الجزية .... فالمرأة, والصبي والمعتوه والمجنون لا تؤخذ منهم الجزية حتى لو كانوا أغنياء قادرين على دفعها ... بل تؤخذ من الرجال العقلاء البالغين فقط
وأما ممن تؤخذ.... فهي تؤخذ من القادر على دفعها لقوله تعالى: " عَن يَدٍ" أي عن مقدرة ... فتؤخذ من كل رجل بالغ عاقل ولا يستثنى منها الرهبان في الأديرة ولا أهل الصوامع ولا المرضى والعمي إن كانوا من أهل اليسار ....
واستحقاقها يكون بحلول الحول حيث تؤخذ الجزية مرة في السنة ويبدأ تعيين الحول بأول محرم وينتهي بآخر ذي الحجة .... وذلك للجميع ... ولا يجعل لكل ذمي حوله الخاص به وذلك حتى يحصل الضبط وتسهل الجباية والاستيفاء، وتعين الدولة جباة خاصين لاستيفاء الجزية وجبايتها يكونون موظفين لدى الدولة يحصلون على مرتباتهم من بيت المال وليس من أهل الذمة.
مقدارها: ليس لها مقدار معين فهي راجعة لرأي الخليفة واجتهاده على أن لا يشق على أهل الذمة ويكلفهم فوق طاقتهم ولا يظلم بيت مال المسلمين فيحرمه من مال مستحق له في رقاب أهل الذمة
مصرفها:
وأخيرا مال الجزية مال عام يضاف إلى أموال بيت المال وينفق منه على مصالح المسلمين كلها بلا استثناء كباقي أموال بيت المال من خراج وغنائم وفيء وعشور وغيرها من أموال الدولة المستحقة لبيت المال والتي مصرفها في مصالح المسلمين وفق رأي الخليفة واجتهاده.
نسأل الله تعالى أن يعجل بعودة دولة الإسلام لنرى بأم أعيننا كيف ستقوم بتنفيذ أحكام الجزية وتضع كل فرد في الدولة موضعه وتبين له حقه ومستحقه لتعود الأمور إلى نصابها وتعود الأمة الإسلامية عزيزة كريمة كما وصفها رب العزة: خير أمة أخرجت للناس
أحبّتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته، نُطِلُ عليكُم أحبّتنا الكرامُ من جديدٍ عَبْرَ إذاعةِ المكتبِ الإعلاميّ لحزبِ التحريرِ، ونواصلُ معكُم سلسلة َحَلَقاتِ الأندلسُ الفردوسُ المفقودُ من الفتحِ إلى السقوطِ، وسَنتحدثُ اليومَ عن بلادِ الأندلسِ والمعروفةِ اليومَ بدولَتَيْ إسبانيا والبرتغال، أو ما يُسمى شبهَ الجزيرةِ الأيبيرية، ومِساحتُها (مجموعُ الدولتين) سِتُّمِئَةِ ألفِ كيلو متر.
أما سببُ تسميتِها بالأندلسِ فقد كانت هناكَ بعضُ القبائلِ الهمجيةِ التي جاءتْ من شمالِ إسكندناف من بلادِ السويد والدانمارك والنرويج وغيرِها، وهَجمتْ على مَنطقةِ الأندلسِ وعاشتْ فيها فترةً منذُ القرنِ الأولِ الميلادي، ويقالُ إن هذهِ القبائلُ جاءتْ من ألمانيا، وما يَهُمُنا هو أنَ هذهِ القبائلَ كانتْ تَتَّسِمُ بالوحشيةِ والهمجيةِ فكانت تُسمى قبائلَ الفندال أو الوندال باللغةِ العربية ؛ فسُمِيتْ هذهِ البلادُ بفاندليسيا على اسمِ القبائلِ التي كانتْ تعيشُ فيها، ومع الأيامِ حُرِّف إلى أندوليسيا فأندلس.
وكلمةُ فندليزم باللغةِ الإنجليزيةِ تعني همجيةً ووحشيةً، وتعني أيضاً أسلوباً بدائياً أو غيرَ حضاري، وهوَ المعنى والاعتقادُ الذي رَسَّخَتهُ قبائلُ الفندال، وقد خرجتْ هذهِ القبائلُ من الأندلسِ وحكَمَها طوائفُ أخرى من النصارى عُرِفتْ في التاريخِ باسمِ قبائلِ القوطِ أو القوطِ الغربيين، وظلوا يحكمونَ الأندلسَ حتى قدومِ المسلمين إليها عام 92( اثنينِ وتسعينَ) للهجرةِ .
وفُتحت الأندلسُ في فترةِ الخلافةِ الأمويةِ، على زمنِ الخليفةِ الوليدِ بْنِ عبدِ الملك والتي كانتْ فترةُ حُكمِهِ ما بينَ سنةِ سِتٍّ وثمانينَ إلى سنةِ ستٍ وتسعينَ من الهجرةِ، وهذا يَعني أن فتحَ الأندلسُ كان في منتصفِ خلافةِ الوليدِ الأمويِّ رَحِمَهُ الله
وكان فتحُ الأندلسِ بعد أن فتحَ المسلمون الشمالَ الأفريقيَّ كلَه، مصرَ وليبيا وتونسَ والجزائرَ والمغربَ، ووصلوا إلى حدودِ المغربِ الأقصى والمحيطِ الأطلسي، ولم يكن أمامَهُم في سيرِ فتوحاتِهم إلا أحدُ السبيلين، إما أن يَتجهوا شمالا، ويعبروا مَضيقَ جبلِ طارقٍ ويدخلوا بلادَ الأندلسِ، وإما أن يتجهوا جنوباً صوبَ الصحراءِ الكبرى ذاتِ المساحاتِ الشاسعةِ والأعداد ِالقليلةِ من السكان، والمسلمون بدورِهِم ليس من همِهِم إلا البحثُ عن تجمعاتِ البشرِ حتى يعلموهم دينَ اللهِ سبحانَهُ وتعالى، ولم يَكُن هَمُّهُم البحثَ عن الأراضي الواسعةِ أو جمعِ الممتلكات.
وعلى هذا النهجِ سارَ المسلمون في كلِ فتوحاتِهم، وَيُجسِدُ هذا المنهجَ ذلك الحوارُ الذي دارَ بين معاذِ بْنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه وبينَ ملكٍ من ملوكِ الرومِ قبلَ موقعةِ اليرموكِ وكان رسولا إليه، سألهُ الملكُ: ما الذي دعاكُم إلى الولوغِ في بلادنِا وبلادُ الحبشةِ أسهلُ عليكُم؟ وقد كانت الرومُ آنذاك تقتَسِمُ العالمَ مع فارسٍ، فيسألُ ملكُ الرومِ متعجبا كيف تَطْرقونَ أبوابَ القوةِ العظمى وتتركونَ الحبشةَ وهي الأسهلُ والأيسرُ؟! فأجابَهُ مُعاذُ بْنُ جبلٍ قائلا: قالَ لنا ربُنا في كتابِه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ) {التوبة:123} سورةُ التوبةِ الآيةُ الثالثةُ والعشرونَ بعدَ الْمِئَةِ . أنتمُ البلادُ التي تلينا، ثمَ بعدَ الانتهاءِ من بلادِ الرومِ سنجَوِّزُها إلى الحبشةِ وغيرِها من البلادِ. أي أننا لم ننسَ الحبشةَ ولكنْ أنتم المجاورون لنا، وهكذا كان الحالُ بالنسبةِ إلى الأندلسِ؛ حيثُ كانتْ هيَ التي تلي بلادَ المسلمين.
ودعونا أحبّتنا الكرامُ نُلْقِ نظرةً على حالةِ أوروبا والوضعِ الذي كانت عليه - خاصةً بلادَ الأندلسِ - عندَ الفتحِ الإسلامي وكيفَ كان، وكيف تغيرَ هذا الوضعُ وهذا الحالُ بعدَ دخولِ أهلِ هذهِ البلادِ الإسلامَ، فأوروبا في ذلكَ الوقتِ كانت تعيشُ فترةً من فَتَراتِ الجهلِ العظيمِ جدا، حيثُ الظلمُ هو القانونُ السائدُ، فالحكامُ يمتلكونَ الأموالَ وخيراتِ البلاد، والشعوبُ تعيشُ في بؤسٍ كبيرٍ، والحكامُ بَنَوْا القصورَ والقلاعَ والحصون، بينما عامةُ الشعبِ لا يجدُ المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقرٍ شديدٍ، بل إنهم يُباعون ويُشْتَرَوْنَ معَ الأرضِ، وبالنسبةِ للفردِ نَفسِه، فالأخلاقُ مُتَدنيةٌ والحرماتُ مُنتَهكةٌ، وبُعدٌ حتى عن مقوماتِ الحياةِ الطبيعيةِ، فالنظافةُ الشخصيةُ - على سبيلِ المثال - مختفيةٌ بالمرة، حتى إنهم كانوا يتركونَ شعورَهُم تنسدلُ على وجوهِهِم ولا يهذبونَها، وكانوا - كما يذكرُ الرحالةُ المسلمون الذين جابوا هذهِ البلادَ في هذا الوقت - لا يستحمّون في العامِ إلا مرةً أو مرتين، بل يَظنونَ أن هذهِ الأوساخَ التي تتراكمُ على أجسادِهِم هي صحةٌ لهذا الجسد، وهي خيرٌ وبركةٌ له.
وكانوا يتفاهمونَ بالإشارةِ، فليستْ لهم لغةٌ منطوقةٌ أصلاً، فضلاً عن أن تكونَ مكتوبةً، وكانوا يعتقدونَ بعضَ اعتقاداتِ الهنودِ والمجوسِ من إحراقِ المتوفى عندَ موتِه، ومِنْ حَرْقِ زوجَتِه معَه وهي حية، أو حرقِ جاريتِهِ معَه، أو من كانَ يُحِبُهُ من الناسِ، والناسُ تعلمُ وتشاهدُ هذا الأمرَ، فكانتْ أوروبا بصفةٍ عامةٍ قبلَ الفتحِ الإسلامي يَسودُها التخلفُ والظلمُ والفقرُ الشديدُ، والبعدُ التامِ عن أيِ وجهٍ من أوجُهِ التطورِ المدني.
هذه أوروبا قبلَ دخولِ الإسلامُ إليهَا وهذا كان حالُها ، وهذا كان حالُ المسلمين، عزٌ وفخارٌ وقوةٌ، لأنهم اتخذوا الإسلامَ منهجاً لهم، وقد صدقَ عمرُ بن الخطابِ حين قال:" نحن قومٌ أعزّنا اللهُ بالإسلامِ فإذا ابتغينا العزةَ بغيرِه أذلنا اللهُ "
نكتفي بهذا القدرِ، وإلى لقاءٍ آخرَ إن شاء الله، الأسبوعَ القادمَ، نتحدثُ فيهِ عن أعظمِ قوادِ الأندلسِ، نتحدث فيه عن القائدِ ابْنِ القائدِ، فإلى ذلك َالحينِ، نستودعَكُم اللهَ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كتبته: أم سدين
في نهاية سلسلتنا هذه والتي نرجو أنه كان بها الخير للجميع أختمها بكلمات من القلب لك أختي المسلمة في كل مكان علها تصل عقلك وقلبك ..
اعلمي أيتها الأخت الطيبة أنك شقيقة الرجل وشطر بني الإنسان فأنت أم، وزوجة وبنت وأخت، وعمة وخالة وحفيدة وجدة.. ثم وأنت أيتها الأخت المسلمة تنتمين إلى دين عظيم هو الإسلام، وإلى أمة جليلة لا توجد في الأرض أمة أنجبت أكثر منها قادة ورجالاً وعظماء وفاتحين، وقبل هذا هي خير أمة أُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقود البشرية إلى الخير والعدل، وتُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. ومن زيف المبادئ وظلمها للبشر إلى تشريع وضعه رب البشر وفيه كل العدل لهم .
ولا شك أن أسلافك من النساء في هذه الأمة كن من أعظم الأسباب في تبوّء هذه الأمة مكانتها القديمة، واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله الذي أكرمها بهذا الدين قد جعل للمرأة مكاناً في التكليف والتشريف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بإعلاء كلمة الدين، قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (سورة التوبة:71)
وقد شرع الله لك من الأحكام وأعطاك من الخصائص والمميزات ما يليق بك ويناسب فطرتك، والله هو الإله العليم بما خلق ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (الملك:14)
أختاه المسلمة:
أنت مدعوة اليوم لصدق الانتماء إلى أمة الإسلام، والجهاد لإعلاء كلمة الله، وتطبيق شريعة القرآن، والبذل والتضحية لبناء جيل الإيمان الذي يعمل لتحكيم شرع الله في الأرض ..
ولكن هناك أيتها الأخت من يريد أن يصرفك عن واجبك المجيد، وأن يحولك عن مهتمك الشريفة في خدمة الدين، وإعلاء كلمة الله، وقد اتخذ هؤلاء الأعداء لك وللدين طرقاً خبيثة منها:
* أولاً: صرفك عما خلقت من أجله وهيأك الله له من العبادة والإيمان والدعوة والجهاد، بإغرائك بالدنيا فقط وزخارفها الفانية، فمعارض للحلي والمجوهرات تلو معارض، وموديلات ونماذج للباس تصمم في بلاد الكفر تلو نماذج، وصرعات لا تنتهي، وشهوات تؤجج، وبطون لا تشبع، ورياش وزينة، وتنافس، وزخارف لا تنتهي وكأننا لم نخلق إلا لهذه التفاهات.. وكل ذلك مع دعوة إلى التبذير وهدر الأموال، وقتل للأوقات، وإثارة لنيران الحسد والبغضاء بين الأغنياء والفقراء، وإشعال للتباهي المجنون بهذا البهرج الكاذب.
* ثانياً: إشعال نار العداوة والبغضاء بينك وبين الرجل، فأنت عند هؤلاء الغشاشين بنتاً مكبوتة!! وزوجة مظلومةً، وأماً مهدورة الكرامة، وأختاً مهيضة الجناح..، والرجل في زعمهم -كل الرجال- ظلمة ومنافقون، وطغاة ومتسلطون ومانعون لحقوقك، وسالبون لحريتك..، معركة مفتعلة ومصطنعة يفتعلها هؤلاء الشياطين لا لشيء إلا لتتمردي على الأب، وتتكبري على الأخ، وتخرجي من عصمة الزوج، إن هؤلاء لا يدعون إلى عدل وتراحم، وتآلف، ولكن إلى تمرد، واستخفاف وهدم.
* ثالثاً: لم يكتف هؤلاء الغشاشون بتحريضك على الأب والزوج والأخ بل تعدى ذلك إلى التحريض على شريعة الإسلام، وأحكام الملك الديّان، فالإسلام عند هؤلاء ظالم، والشريعة الإسلامية عندهم ناقصة وهم يحرضونك صباح مساء على الخروج من هذه الشريعة. وبذلك يحاولون سلبك الإيمان كما يحاولون سلبك الهناءة والراحة في ظلال الأبوة الكريمة والزوجية الهانئة، والأخوة الطيبة.
إن هؤلاء يصورون لك أن التقوى والعفاف قيود على الحرية والانطلاق، واللباس الشرعي النظيف حجاب في زعمهم للعقل، والصلاة والصيام والزكاة -في زعمهم- عبث وإضاعة للعمر والوقت، وطاعة الزوج -في زعمهم- إذلال،،،، لقد قلبوا كل المفاهيم، وغيروا كل الحقائق.
إن الأهداف التي يرمي إليها أعداؤك وأعداء الدين معلومة معروفة، إنهم يريدون أن تكوني دائماً في متناول أيديهم الآثمة في كل مكان وفي كل وقت لينالوك بالحرام.
يريدون منكِ أن تكوني خليلة بلا حقوق ولا احترام، يجدونك في المكتب والطرقات، وأماكن اللهو والفساد، بحجة إباحة الاختلاط عارية من كل خلق ودين وشرف وأخلاق، يريدونك بلا مهر، ولا عقد، ولا شريعة، إلا شريعة أهوائهم وشهواتهم الدنيئة.. تماماً كما فعل أسلافهم من الملاحدة والمشركين في بلاد الغرب حيث المرأة هي العنصر المظلوم المهضوم المبتذل الرخيص السلعة، الذي بات يجري خلف الرجل، وتتذلل له، والرجل ينتقل من أنثى إلى أنثى بلا مساءلة أو حقوق.. فأصبحت المرأة تطالب بحقوقها وتنادي بالمساواة مع الرجل لرفع هذا الظلم عنها، ويريدون تصدير هذا إليك أخيتي وأنت الكريمة المعززة المكرمة بدينك والتزامك بأحكام الله، ويقولون لك طالبي بالمساواة مع الرجل وقد أكرمك الله تعالى بهذه الأحكام أصلا.
أيتها الأخت المسلمة:
إسألي واقرأي عن بنات جنسك ممن سلخن ثوب العفة والحياء، وانطلقن وراء وهم الحريات وحقوق المرأة الشهوات وتبعن أهواء الغشاشين ماذا كانت النتيجة وما هي الثمرة؟
اعتزي بدينك العظيم، وكوني قدوة صالحة لأبنائك وبناتك ولمن حولك، وأخلصي في انتمائك إلى أمتك المجيدة، واعلمي أن سعادتك في طاعة الله ورضاه، أن تكوني بنتاً فاضلة مطيعة في الحق والخير، وزوجة وفية كريمة، وأماً صالحة تقية.. وليس أي شيء آخر فهذا هو دورك وهذه هي رسالتك في الحياة .
أيتها الأخت المسلمة:
هذا حديث القلب، فاحذري أولياء الشيطان ممن يريدون غوايتك وإضلالك، وكوني أمة الله الصالحة، وسليلة النجيبات الطيبات، واعلمي أن دورك في بناء الأمة عظيم، فقومي بهذا الدور ولا تكوني أنت وسيلة الهدم والدمار بل كوني أنت صانعة الرجال ،، ودورك في حمل الدعوة عظيم وكبير .. وخذي دورك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان وأي وقت. فكوني أختي ابنة خير أمة، كوني جديرة بثقة الله تعالى التي وضعها فيك وقومي بدور المرأة المسلمة الحقيقي الذي ارتضاه الله سبحانه لك .
واعملي أخيتي على إعادة العز والكرامة لك ولأخواتك وللمستضعفين في الأرض والمستضعفات بإعادة تحكيم شرع الله على الأرض الذي ستقيمه دولة الإسلام التي ستطبق الإسلام كاملا شاملا فيتحقق لك ولغيرك الخير والكرامة.
وفقنا الله وإياكن إلى ما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة ...
والحمد لله رب العالمين
إعداد
مسلمة (أم صهيب)
اللقاء الذي أجراه البث المتلفز في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير مع الأستاذين شريف زايد رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر، والأستاذ المهندس علاء الدين الزناتي رئيس لجنة الاتصالات بحزب التحرير في ولاية مصر وكان عنوان الحلقة "الوضع السياسي الراهن في مصر".
الخميس، 23 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 04 نيسان/أبريل 2013م