- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في الذكرى العاشرة للثورة
(5)
ثورة 25 يناير ... في خبر كان؟
أراد السيسي بإيعاز من أمريكا أن يعطي حركته الانقلابية زخما شعبيا، فأخرجت المخابرات الناس إلى الشوارع في 30 حزيران/يونيو 2013م، بترتيب محكم، ثم خدعوا البعض فقالوا لهم إن ما قمنا به ليس انقلابا، بل ثورة جديدة لتصحح مسار ثورة 25 يناير، فصدقهم البعض، وخدعوهم فقالوا إننا نريد خلع نفوذ أمريكا من مصر، فبارك عملهم كثيرون، ثم قالوا إننا سنشن حربا على الإرهاب المحتمل ففوِّضونا لنقوم بذلك، فخرج الكثيرون ليعطوا السيسي ما أراده من تفويض، وعلى إثر ذلك بدأت آلة السيسي القمعية في التنكيل بالمتظاهرين والمعتصمين فكانت مجزرتا رابعة والنهضة، ولبشاعة ما حصل فقد ادعى إعلام السيسي أن المعتصمين من الإخوان ومناصريهم يقتل بعضهم بعضا ليَظهروا في صورة الضحايا، ليدخل الإعلام المصري في ممارسة أحط أنواع التغطية الإعلامية التي لا مثيل لها، وليسمع الناس دعوات منحطة لقتل الناس من الإعلاميين الأرذال وبعض المشايخ الذين باعوا أنفسهم للشيطان. ثم بدأت عملية تبرئة مبارك وزبانيته، وفي المقابل تكدست السجون وتم بناء سجون جديدة لتستوعب الأعداد الضخمة من المعارضين الذين كانوا في أغلبيتهم من أبناء التيار الإسلامي، وبدأت عملية الاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون.
قضاء "نزيه وشريف" يبرئ ساحة مبارك الذي أجرم في حق الشعب المصري ثلاثين سنة، ويحاكم مرسي بتهمة قتل المتظاهرين، بينما وزير داخليته محمد إبراهيم، وهو أداة القتل المفترضة، بقي في منصبه في ظل حكومة الانقلاب – الثورة، لفترة طويلة من الزمن. لا شك أنها كانت خطة ممنهجة لإعادة الأمور إلى ما قبل 25 يناير، لقد كانت خطة ممنهجة جعلت ثورة 25 يناير في خبر كان، خطة ممنهجة نفذت عقوبات جماعية لكل من شارك في ثورة 25 يناير إما بالقتل أو الاعتقال والتعذيب، تماماً كما فعل النظام الجزائري بعد الانقلاب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، حيث قام بعقاب المناطق التي أعطت أصواتها للجبهة في الانتخابات التشريعية بارتكاب المجازر في أهلها عن طريق فرق الموت التي استأجرها الانقلابيون، في عمل مخابراتي قذر اتضحت معالمه بعد ذلك، حيث كانت المخابرات الجزائرية تقوم بالأعمال الإرهابية وتنسبها للإسلاميين لتوجد المبرر لقتلهم واعتقالهم.
لقد كانت 30 يونيو بحق ردّةً حقيقية على مساحة (الحرية) التي وفرتها ثورة 25 يناير، وعودة فجة للدولة البوليسية المخابراتية، التي تَعُدّ أنفاس الناس، وتراقب كل حركاتهم وسكناتهم، وتهم الإدانة جاهزة وملفقة، دولة تحكمها قوانين الطوارئ سيئة السمعة وقوانين مكافحة الإرهاب، دولة تُؤمِّن يهود وتنسق معهم، وتتعاون معهم حتى لو تعلق الأمر بقتل أبناء الأمة، ولا تخشى أن يُردِّد على مسامعها أحد أن هذا حلال وهذا حرام. إنها عودة ارتدادية لدولة الإعلام الموجه التي تقود الناس معصوبي الأعين لما تريد، يحشون عقول الناس بالترهات والخرافات، إعلام يُقدس القائد، ويجعل منه بطلا "قوميا" ولو كان يقاتل طواحين الهواء، فبطولاته المزيفة حقائق لا تقبل الشك! ولعله من المفارقات الكبرى تشبيه السيسي قائد الانقلاب بالمقبور عبد الناصر، الذي ضاعت على يديه سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة والجولان والسودان من قبل، وبرغم ذلك استطاع الإعلام الناصري أن يخرج الناس إلى الشوارع يهتفون بحياة عبد الناصر ويطالبونه بعدم التنحي بدلا من أن يطالبوا بمحاكمته على تفريطه! وها هو السيسي يفرط في مقدرات مصر بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير والتفريط في مياه مصر الاقتصادية وفي مياه النيل، بينما الإعلام الممسوك من المخابرات يتكلم عن إنجازات السيسي التي لا يراها أحد سواهم. بل وأكثر من ذلك يصف إعلام الانقلابيين الدكتور البرادعي، شريكهم في الانقلاب، بالخائن خيانة عظمى، لأنه رفض فض الاعتصامات بهذه الوحشية، وتتم إقالة مدير شركة المقاولين العرب من منصبه لأنه شهد عليهم أنهم من تسبب بحرق مقر الشركة في رمسيس أثناء التظاهرات، ويُعتقل صحفي أصابته قوى الجيش، وقتلت زميله في سيارته لأنه لم يسكت ولم يتكتم على جريمتهم.
ولقد رأينا في المشهد من أطلقوا على أنفسهم أنهم ثوار بالأمس، يباركون القتل، ولا يحركون ساكنا وهم يرون حكومة مؤقتة وكأنها حكومة لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، ثوار قالوا عن أنفسهم أحرار، وأنهم عازمون على إكمال المشوار، فإذا بنا نراهم على موائد اللئام، يطلبون ودّهم ويحلفون بحياتهم! إنهم ليسوا ثوارا، ولا هم أحراراً، ومشوارهم الذي يريدون إكماله هو إتمام علمنة الدولة، والمشاركة في الحرب على الإسلام، تحت ذريعة الحرب على (الإرهاب).
هذا المشهد الهزلي الذي رأيناه بعد الانقلاب لا يمكن قراءته بمعزل عن الفترة التي حكم فيها الدكتور مرسي، الذي ظل عاما كاملا يردد على مسامعنا احترامه لحرية الإعلام وأنه لن يقصف قلما ولن يغلق قناة، فكان هذا الإعلام الأداة التي ألقت به خارج السلطة، ورمت به وراء القضبان، والذي ترك مؤسسات دولة مبارك تحفر له الحفرة التي وقع فيها، ومن ثم خرج من السلطة بعد عام لم يطبق حكما واحدا من أحكام الإسلام، بل عمق علمانية الدولة، وجعل منها غولا مخيفا، في وجه الإسلام وحملة الدعوة!
كما لا يمكننا إنكار أن هؤلاء الانقلابيين نجحوا في تشويه صورة حملة الدعوة عند قطاع كبير من أبناء الشعب المصري، وهذا ما ساعدهم مرحليا على إطالة أمد انقلابهم، ريثما يعود للناس رشدهم ويدركوا أنهم قد خُدعوا، فيرجعوا إلى أنفسهم، حين يرون أبناءهم وإخوانهم وأخواتهم وآباءهم وأمهاتهم وهم يُقتلون أو يسجنون بلا جريرة ارتكبوها، أو يختفون قسريا.
من استطاع أن يكذب بعض الوقت، لم يستطع أن يكذب كل الوقت، فقد تبين للكثيرين ممن أيدوا الانقلاب خطأ موقفهم، بل إن منهم من نال جزاءه على يد السيسي ونظامه، حتى الإسلاميون الذين دخلوا اللعبة الديمقراطية، وظنوا أنها طريقتهم المثلى للوصول إلى الحكم، سيرجعون إلى أنفسهم ليدركوا أنهم كانوا تائهين ضائعين، يتوهمون السراب حقيقة، وسيدركون أن الدرب من هنا، من سيرة المصطفى ﷺ، ذلك الطريق الذي دللناهم عليه مرارا وتكرارا، ولكنهم لم يستجيبوا لنا، إلا بعد أن ضُربوا على رؤوسهم. سيدرك هؤلاء أن الخلافة هي الملاذ وهي النظام الذي يجب أن يؤسسوا له، وأن ما حدث في 3 تموز/يوليو أعادهم إلى أنفسهم وإلى شرع ربهم، وما حدث بعد ذلك اليوم من قتل وحرق واعتقال، كان كاشفا فاضحا لشخصيات وعلماء وحركات. قال تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال: 37]
قد تكون ثورة 25 يناير في خبر كان في ذكراها العاشرة، ولكن ستولد ثورة من جديد تختلف عما قبلها، تعيد للأمة عزتها وكرامتها، فتكنس أنظمة الكفر وتلقي بها في واد سحيق، ولن يرضى الناس بعد ذلك عن الخلافة بديلا، وبغير شرع الله حكما، وحينها ستكون الأمة على السكة الصحيحة.
إننا نُدرك أن نصرَ الله آتٍ، وندرك أن نصرَ الله لا يأتي إلا بعد إخلاصٍ وعملٍ وتضحيةٍ، كما أننا ندرك أن الله ابتلى من هم أفضل منا من رُسُله عليهم السلام وأتباع رُسُله رضي الله عنهم، وما أمر رسولنا محمد ﷺ وصحبه عنا ببعيد ولا غريب، فقد عانوا ما عانوا، وذاقوا المــُـرَّ لما ثبتوا عليه من طريق الحق، حتى أكرمهم الله بدولةٍ أعز الله بها الإسلام وأهله، وكانت بحق رحمة لكل البشر.
الجزء الأول: اضغط هنــا
الجزء الثاني: اضغط هنــا
الجزء الثالث: اضغط هنـا
الجزء الرابع: اضغط هنـا
الجزء السادس: اضغط هنـا
الجزء السابع : اضغط هنــا
الجزء الثامن: اضغط هنــا
الجزء التاسع: اضغط هنـا
الجزء العاشر: اضغط هنـا
الجزء الحادي عشر: اضعط هنا
الجزء الثاني عشر: اضغط هنا
الجزء الثالث عشر:اضغط هنا
الجزء الرابع عشر: اضغط هنا
الجزء الخامس عشر:اضغط هنا
الجزء السادس عشر: اضغط هنا
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز